الفصل الخامس : مداخل الشيطان إلى القلوب
تكلم أحد العلماء في بيان مداخل الشيطان إلى القلوب فقال رحمه الله أعلم أن القلب مثاله مثل حصن رفيع والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن ويملكه ويستولى عليه ولا يقدر على حفظ الحصن إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله ومواقع ثلمة ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يعرف أبوابه وحماية القلب عن فساد الشيطان ففرض عين واجب على كل عبد مكلف وما لا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله فصارت معرفة مداخل الشيطان واجبة. ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد نحو الشهوة والغضب والحدة والطمع وغيرها وهي كثيرة ولكننا نشير إلى معظم وسائله في إغواء الخلق وتسلطه عليهم بها إن شاء الله وجملتها وسائل عشرة نذكرها ونذكر كيفية علاجها والتخلص منها فهذان تقريران.
التقرير الأول
في ذكرنا الوسيلة الأولى الحسد والحرص فيمن حصل فيه هاتات الخصلتان عمى وصم وهما من أعظم مداخل الشيطان وأكبر وسائله وقد روى أن نوح عليه السلام لما ركب البحر وحمل في السفينة من كل زوجين اثنين كما أمر فرأى في السفينة شيخاً لم يعرفه فقال له نوح من أدخلك؟ قال دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك فقال نوح أخرج يا عدو الله فإنك رجيم فقال إبليس خمس أهلك بهن الناس وسأحدثك بثلاث ولا أحدثك باثنين فأوحى إلى نوح أنه لا حاجة لك إلى الثلاث أمره يحدثك بالاثنين فقال ما الاثنان؟ فقال هما اللتان لا تكذباني هما اللتان لا تخلفاني بهما أهلك الناس الحرص والحسد. فبالحسد لعنت وجعلت شيطاناً رجيماً وبالحرص أصبحت حاجتي من آدم أبيح لآدم الجنة كلها إلا الشجرة التي عرف بها فوسوست له حتى أكلها.
الوسيلة الثانية الشهوة والغضب فأنهما من أعظم المكايد للشيطان فمنهما غضب الإنسان لعب به الشيطان وعن بعض الأنبياء أنه قال لإبليس بأي شيء تغلب ابن آدم قال أخذه عند الغضب وعند الهوى وظهر إبليس لراهب فقال أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم فقال الحدة أن العبد إذا كان حديداً قلبناه كما تقلب الصبيان الكرة وقيل لإبليس كيف تقلب ابن آدم فقال إذا رضى جئت حتى أكون في قلبه وإذا غضب جئت حتى أكون على رأسه.
الوسيلة الثالثة حب الشهوات والزينة في الدنيا وفي الثياب والأثاث والدور والمراكب فإن الشيطان إذا رأى ذلك غالباً على قلب إنسان باض فيه وفرخ فلا يزال يدعوه إلى عمارة الدنيا وتوسع سقوفها وحيطانها وتوسيع الأبنية ويدعو إلى التزيين بالأبواب النفيسة ويستسخره طول عمره فإذا أوقعه فيها فقد استغنى عن معاودته فأن بعض ذلك يجر إلى بعض فلا يزال يؤديه من شيء إلى شيء أن يستاف أجله فيموت وهو في بحر الأماني يعوم وفي سبيل الضلال يخوض ومن ذلك يخشى على الإنسان من سوء الخاتمة نعوذ بالله منهما.
الوسيلة الرابعة: الطمع فإذا كان الطمع غالباً على القلب لم يزل الشيطان يحسن له التصنع لمن طمع فيه حتى يصير المطموع فيه كأنه معبوده وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم واستشعار الطمع فأنه يشرب القلب شدة الحرص ويختم على القلوب بطابع حب الدنيا وهو مفتاح كل سيئة وسبب إحباط كل حسنة هذا هو الغاية في الخسران والهلاك.
الوسيلة الخامسة: العجلة في الأمور وكثرة الطيش والفشل وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال الأناة من الله والعجلة من الشيطان وروي أنه لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا أصبحت الأصنام نكست رؤوسها فقال هذا حادث قد حدث مكانكم فطار حتى جاء خافقي الأرض فلم يجد شيئاً فوجد عيسى عليه السلام قد ولد وإذا الملائكة قد حفت حوله فقال لهم أن نبياً قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا فاستيئسوا من عبادة الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة عصمنا الله وإياكم من الزلل ووفقنا لصالح العمل وهدانا بفضله سبيل الرشاد وطريق السداد أنه جل شأنه نعم المولى ونعم النصير وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
الوسيلة السادسة: الفتنة بالدراهم والدنانير وسائر أصناف الأموال والقروض والدواب والعقارات وكل ما يكون فضله على قدر الحاجة والقوت فهو مستقر الشيطان وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث قال إبليس لشياطينه لقد حدث أمر فانظروا ما هو فانطلقوا ثم جاءوا وقالوا ما ندري قال إبليس أنا آتيكم بالخبر فذهب وجاء قال قد بعث محمد صلى الله عليه وسلم قال فجعل يرسل شياطينه إلى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فينصرفون خائبين فيقولون ما صحبنا قوماً قط مثل هؤلاء نصيب منهم ثم يقومون للصلاة فيمحون ذلك فقال إبليس رويداً بهم عسى الله أن يفتح لهم الدنيا فهناك تصيبون حاجتكم منهم.
الوسيلة السابعة: البخل وخوف الفقر فأن البخل هو أصل لكل خطيئة وروي عن إبليس لعنه الله أنه قال ما غلبني ابن آدم في ثلاث أمره أن يأخذ المال من غير حقه وينفقه في غير حقه ويمنعه من مستحقيه وقال سفيان الثوري ليس للشيطان سلاح على الإنسان مثل خوف الفقر فإذا قبل ذلك منه أخذ في الباطل ومنع من الحق وتكلم بالهوى وظن بربه السوء وهو من أعظم الآفات على الدين.
الوسيلة الثامنة : سوء الظن بالمسلمين
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[1]
ومن حكم بشيء على غيره بالظن فان الشيطان يبعثه على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه أو يتوانى في إكرامه أو ينظر بعين الاحتكار أو يرى نفسه خيراً منه وكل ذلك من المهلكات فمهما رأيت إنساناً يسئ الظن بالناس طالباً لعيوبهم فاعلم أنه خبيث الباطن فأن المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب للخلق وقديماً قيل إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم وعادي محبيه يقول عداته واصبح في ليل من الشك مظلم.
الوسيلة التاسعة : الشبع من الطعام والتأنق في المأكل الفاخرة فان الشبع يقوي الشهوات وهي أسلحة الشيطان التي يصول بها وروي أن إبليس ظهر يوماً ليحي بن زكريا عليهما السلام فرأى عليه معاليق من كل شيء
فقال له يحيي عليه السلام ما هذه المعاليق
فقال هذه هي الشهوات التي أصيب بها بني آدم
فقال هل لي منهما شيء؟
فقال ربما شبعت فتثاقلت عن الصلاة والذكر
فقال هل غير ذلك؟
قال لا
فقال يحيي لله على أن لا أملأ بطني.
فقال إبليس : على الله لا أنصح مسلماً.
الوسيلة العاشرة: تعاطي العوام الذين لم يمارسوا العلوم ولم يتبحروا فيها بالتفكر في ذات الله عز وجل وصفاته في الأمور التي لا تبلغها عقولهم حتى يؤدي ذلك إلى الاعتقادات الكفرية وهم لا يشعرون وهم في غاية ما يكونون من الفرح والسرور والاطئمنان إلى ما وقع في صدورهم وهم في غاية الخطأ ويظنون أن ما اعتقدوه هو العلم والبصيرة فما هذا حاله يكون من أعظم الأبواب للشيطان في اللعب بعقولهم وإيقاعهم في الأمور المكروهة فهذه وسائل الشيطان ومداخله إلى القلب وهي كثيرة وفيما ذكرناه على ما ورائها وبالجملة فليس في الآدمي صفة مذمومة إلا وهي سلاح للشيطان ومدخل من مداخله.
التقرير الثاني
في بيان العلاج في دفعها وإزالتها واعلم أن علاج هذه الأمور وإزالتها بالاجتهاد في قلع هذه الصفات المذمومة عن القلب والعناية في ذكر الله عز وجل فهذه دوافع ثلاثة نذكرها إن شاء الله
الدافع الأول: يكون باللجوء إلى ذكر الدعاء راجياً منه تحصيل الألطاف الخفية في إبعاد الشياطين وإزالتهم وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان شيطان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده شعلة نار فيقوم بين يديه وهو يصلي فيقرأ ويتعوذ فلا يذهب فأتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم قل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ومن شر ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر فتن الليل والنهار وطوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمن فطفيت شعلته وخر على وجهه.
وعن الحسن البصري أنه قال نبئت أن جبريل أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن عفريتاً من الجن يكيدك فإذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال أتاني شيطان فنازعني ثم نازعني فأخذت بحلقه والذي بعثني بالحق ما أرسلته حتى وجدت برد لسانه على يدي ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح طريحاً حتى تنظروا إليه.
الدافع الثاني: العناية في إزالة هذه الصفات المذمومة من القلوب وقلعها منه فأن الشيطان مثل الكلب في التسلط على الإنسان فإذا كان الانسان متصفاً بهذه الصفات الذميمة من الغضب والحسد والحرص والطمع وغيرهما كان بمنزلة من يكون بين يديه خبز ولحم فأن الكلب لا محالة يتهور عليه ويتوثب ولا يندفع غالباً إلا بمشقة شديدة وإن لم يكن متصفاً لما لم يطمع فيه لأنه لا داعي له هنالك ويكون دفعه بأسهل ما يكون وأيسره فأنه يندفع بالنهر والخسا والزجر فتزال بنقائضها فيزال الغضب بالرضا والسكينة ويزال الكبر بالتواضع ويزال الحسد بمعرفة حق المحسود وأن الذي اختص به فضل من الله فلا يمكن دفعه ويزال الطمع بالورع والاكتفاء بما أعطاه الله عز وجل ويزال الحرص بتحقيق حال الدنيا وانقطاعها بالموت وهكذا تفعل في كل خصلة مذمومة بالاجتهاد في إزالتها.
الدافع الثالث : ذكر الله تعالى وإليه الإشارة بقوله تعالى
(إنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) الأعراف – الآية 201
والمعنى أنهم إذا لم بقلوبهم شيء من الصفات الذميمة فزعوا إلى ذكر الله تعالى وتذكروه فعند ذلك يحصل التبصر لهم في عواقب أمورهم نعم الذكر لا يكون طارداً للشيطان إلا إذا كانت القلوب معمورة بالخوف والتقوى فأما إذا كانت خالية عن ذلك فربما يكون الذكر غير مجد ومثال هذا من يطمع في شرب الدواء قبل الاحتماء والمعدة مشحونة بغليظ الطعام ويطمع في أنه ينفعه كما ينفع الذي يشربه بعد الاحتماء وتخلية المعدة عن الأطعمة فالذكر هو الدواء والتقوى هو الاحتماء فإذا حصل الذكر في قلب فارغ عن غير الذكر اندفع الشيطان كما تندفع العلة بنزول الدواء في معدة خالية عن الأطعمة كما أشار إليه تعالى بقوله
(ِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لهُ قَلْبٌ) سورة ق – الاية 21
وبعد أن عرضنا كيفية دخول الشياطين القلوب وأنهم يستمتعون مع الإنس سنعرض موضوع الربط للرجل والمرأة في هذا الموضوع أي السحر الذي يستخدم في العشق
[1] سورة الحجرات – الآية 12
تكلم أحد العلماء في بيان مداخل الشيطان إلى القلوب فقال رحمه الله أعلم أن القلب مثاله مثل حصن رفيع والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن ويملكه ويستولى عليه ولا يقدر على حفظ الحصن إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله ومواقع ثلمة ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يعرف أبوابه وحماية القلب عن فساد الشيطان ففرض عين واجب على كل عبد مكلف وما لا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله فصارت معرفة مداخل الشيطان واجبة. ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد نحو الشهوة والغضب والحدة والطمع وغيرها وهي كثيرة ولكننا نشير إلى معظم وسائله في إغواء الخلق وتسلطه عليهم بها إن شاء الله وجملتها وسائل عشرة نذكرها ونذكر كيفية علاجها والتخلص منها فهذان تقريران.
التقرير الأول
في ذكرنا الوسيلة الأولى الحسد والحرص فيمن حصل فيه هاتات الخصلتان عمى وصم وهما من أعظم مداخل الشيطان وأكبر وسائله وقد روى أن نوح عليه السلام لما ركب البحر وحمل في السفينة من كل زوجين اثنين كما أمر فرأى في السفينة شيخاً لم يعرفه فقال له نوح من أدخلك؟ قال دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك فقال نوح أخرج يا عدو الله فإنك رجيم فقال إبليس خمس أهلك بهن الناس وسأحدثك بثلاث ولا أحدثك باثنين فأوحى إلى نوح أنه لا حاجة لك إلى الثلاث أمره يحدثك بالاثنين فقال ما الاثنان؟ فقال هما اللتان لا تكذباني هما اللتان لا تخلفاني بهما أهلك الناس الحرص والحسد. فبالحسد لعنت وجعلت شيطاناً رجيماً وبالحرص أصبحت حاجتي من آدم أبيح لآدم الجنة كلها إلا الشجرة التي عرف بها فوسوست له حتى أكلها.
الوسيلة الثانية الشهوة والغضب فأنهما من أعظم المكايد للشيطان فمنهما غضب الإنسان لعب به الشيطان وعن بعض الأنبياء أنه قال لإبليس بأي شيء تغلب ابن آدم قال أخذه عند الغضب وعند الهوى وظهر إبليس لراهب فقال أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم فقال الحدة أن العبد إذا كان حديداً قلبناه كما تقلب الصبيان الكرة وقيل لإبليس كيف تقلب ابن آدم فقال إذا رضى جئت حتى أكون في قلبه وإذا غضب جئت حتى أكون على رأسه.
الوسيلة الثالثة حب الشهوات والزينة في الدنيا وفي الثياب والأثاث والدور والمراكب فإن الشيطان إذا رأى ذلك غالباً على قلب إنسان باض فيه وفرخ فلا يزال يدعوه إلى عمارة الدنيا وتوسع سقوفها وحيطانها وتوسيع الأبنية ويدعو إلى التزيين بالأبواب النفيسة ويستسخره طول عمره فإذا أوقعه فيها فقد استغنى عن معاودته فأن بعض ذلك يجر إلى بعض فلا يزال يؤديه من شيء إلى شيء أن يستاف أجله فيموت وهو في بحر الأماني يعوم وفي سبيل الضلال يخوض ومن ذلك يخشى على الإنسان من سوء الخاتمة نعوذ بالله منهما.
الوسيلة الرابعة: الطمع فإذا كان الطمع غالباً على القلب لم يزل الشيطان يحسن له التصنع لمن طمع فيه حتى يصير المطموع فيه كأنه معبوده وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم واستشعار الطمع فأنه يشرب القلب شدة الحرص ويختم على القلوب بطابع حب الدنيا وهو مفتاح كل سيئة وسبب إحباط كل حسنة هذا هو الغاية في الخسران والهلاك.
الوسيلة الخامسة: العجلة في الأمور وكثرة الطيش والفشل وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال الأناة من الله والعجلة من الشيطان وروي أنه لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا أصبحت الأصنام نكست رؤوسها فقال هذا حادث قد حدث مكانكم فطار حتى جاء خافقي الأرض فلم يجد شيئاً فوجد عيسى عليه السلام قد ولد وإذا الملائكة قد حفت حوله فقال لهم أن نبياً قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا فاستيئسوا من عبادة الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة عصمنا الله وإياكم من الزلل ووفقنا لصالح العمل وهدانا بفضله سبيل الرشاد وطريق السداد أنه جل شأنه نعم المولى ونعم النصير وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
الوسيلة السادسة: الفتنة بالدراهم والدنانير وسائر أصناف الأموال والقروض والدواب والعقارات وكل ما يكون فضله على قدر الحاجة والقوت فهو مستقر الشيطان وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث قال إبليس لشياطينه لقد حدث أمر فانظروا ما هو فانطلقوا ثم جاءوا وقالوا ما ندري قال إبليس أنا آتيكم بالخبر فذهب وجاء قال قد بعث محمد صلى الله عليه وسلم قال فجعل يرسل شياطينه إلى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فينصرفون خائبين فيقولون ما صحبنا قوماً قط مثل هؤلاء نصيب منهم ثم يقومون للصلاة فيمحون ذلك فقال إبليس رويداً بهم عسى الله أن يفتح لهم الدنيا فهناك تصيبون حاجتكم منهم.
الوسيلة السابعة: البخل وخوف الفقر فأن البخل هو أصل لكل خطيئة وروي عن إبليس لعنه الله أنه قال ما غلبني ابن آدم في ثلاث أمره أن يأخذ المال من غير حقه وينفقه في غير حقه ويمنعه من مستحقيه وقال سفيان الثوري ليس للشيطان سلاح على الإنسان مثل خوف الفقر فإذا قبل ذلك منه أخذ في الباطل ومنع من الحق وتكلم بالهوى وظن بربه السوء وهو من أعظم الآفات على الدين.
الوسيلة الثامنة : سوء الظن بالمسلمين
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[1]
ومن حكم بشيء على غيره بالظن فان الشيطان يبعثه على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه أو يتوانى في إكرامه أو ينظر بعين الاحتكار أو يرى نفسه خيراً منه وكل ذلك من المهلكات فمهما رأيت إنساناً يسئ الظن بالناس طالباً لعيوبهم فاعلم أنه خبيث الباطن فأن المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب للخلق وقديماً قيل إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم وعادي محبيه يقول عداته واصبح في ليل من الشك مظلم.
الوسيلة التاسعة : الشبع من الطعام والتأنق في المأكل الفاخرة فان الشبع يقوي الشهوات وهي أسلحة الشيطان التي يصول بها وروي أن إبليس ظهر يوماً ليحي بن زكريا عليهما السلام فرأى عليه معاليق من كل شيء
فقال له يحيي عليه السلام ما هذه المعاليق
فقال هذه هي الشهوات التي أصيب بها بني آدم
فقال هل لي منهما شيء؟
فقال ربما شبعت فتثاقلت عن الصلاة والذكر
فقال هل غير ذلك؟
قال لا
فقال يحيي لله على أن لا أملأ بطني.
فقال إبليس : على الله لا أنصح مسلماً.
الوسيلة العاشرة: تعاطي العوام الذين لم يمارسوا العلوم ولم يتبحروا فيها بالتفكر في ذات الله عز وجل وصفاته في الأمور التي لا تبلغها عقولهم حتى يؤدي ذلك إلى الاعتقادات الكفرية وهم لا يشعرون وهم في غاية ما يكونون من الفرح والسرور والاطئمنان إلى ما وقع في صدورهم وهم في غاية الخطأ ويظنون أن ما اعتقدوه هو العلم والبصيرة فما هذا حاله يكون من أعظم الأبواب للشيطان في اللعب بعقولهم وإيقاعهم في الأمور المكروهة فهذه وسائل الشيطان ومداخله إلى القلب وهي كثيرة وفيما ذكرناه على ما ورائها وبالجملة فليس في الآدمي صفة مذمومة إلا وهي سلاح للشيطان ومدخل من مداخله.
التقرير الثاني
في بيان العلاج في دفعها وإزالتها واعلم أن علاج هذه الأمور وإزالتها بالاجتهاد في قلع هذه الصفات المذمومة عن القلب والعناية في ذكر الله عز وجل فهذه دوافع ثلاثة نذكرها إن شاء الله
الدافع الأول: يكون باللجوء إلى ذكر الدعاء راجياً منه تحصيل الألطاف الخفية في إبعاد الشياطين وإزالتهم وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان شيطان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده شعلة نار فيقوم بين يديه وهو يصلي فيقرأ ويتعوذ فلا يذهب فأتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم قل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ومن شر ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر فتن الليل والنهار وطوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمن فطفيت شعلته وخر على وجهه.
وعن الحسن البصري أنه قال نبئت أن جبريل أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن عفريتاً من الجن يكيدك فإذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال أتاني شيطان فنازعني ثم نازعني فأخذت بحلقه والذي بعثني بالحق ما أرسلته حتى وجدت برد لسانه على يدي ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح طريحاً حتى تنظروا إليه.
الدافع الثاني: العناية في إزالة هذه الصفات المذمومة من القلوب وقلعها منه فأن الشيطان مثل الكلب في التسلط على الإنسان فإذا كان الانسان متصفاً بهذه الصفات الذميمة من الغضب والحسد والحرص والطمع وغيرهما كان بمنزلة من يكون بين يديه خبز ولحم فأن الكلب لا محالة يتهور عليه ويتوثب ولا يندفع غالباً إلا بمشقة شديدة وإن لم يكن متصفاً لما لم يطمع فيه لأنه لا داعي له هنالك ويكون دفعه بأسهل ما يكون وأيسره فأنه يندفع بالنهر والخسا والزجر فتزال بنقائضها فيزال الغضب بالرضا والسكينة ويزال الكبر بالتواضع ويزال الحسد بمعرفة حق المحسود وأن الذي اختص به فضل من الله فلا يمكن دفعه ويزال الطمع بالورع والاكتفاء بما أعطاه الله عز وجل ويزال الحرص بتحقيق حال الدنيا وانقطاعها بالموت وهكذا تفعل في كل خصلة مذمومة بالاجتهاد في إزالتها.
الدافع الثالث : ذكر الله تعالى وإليه الإشارة بقوله تعالى
(إنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) الأعراف – الآية 201
والمعنى أنهم إذا لم بقلوبهم شيء من الصفات الذميمة فزعوا إلى ذكر الله تعالى وتذكروه فعند ذلك يحصل التبصر لهم في عواقب أمورهم نعم الذكر لا يكون طارداً للشيطان إلا إذا كانت القلوب معمورة بالخوف والتقوى فأما إذا كانت خالية عن ذلك فربما يكون الذكر غير مجد ومثال هذا من يطمع في شرب الدواء قبل الاحتماء والمعدة مشحونة بغليظ الطعام ويطمع في أنه ينفعه كما ينفع الذي يشربه بعد الاحتماء وتخلية المعدة عن الأطعمة فالذكر هو الدواء والتقوى هو الاحتماء فإذا حصل الذكر في قلب فارغ عن غير الذكر اندفع الشيطان كما تندفع العلة بنزول الدواء في معدة خالية عن الأطعمة كما أشار إليه تعالى بقوله
(ِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لهُ قَلْبٌ) سورة ق – الاية 21
وبعد أن عرضنا كيفية دخول الشياطين القلوب وأنهم يستمتعون مع الإنس سنعرض موضوع الربط للرجل والمرأة في هذا الموضوع أي السحر الذي يستخدم في العشق
[1] سورة الحجرات – الآية 12