الفصل الثامن : الرؤيا من الله والحلم من الشيطان روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي قتادة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره[1] وفي البخاري من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فأنها من الله عز وجل فيحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك ما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فأنها لن تضره[2] قال السهيلي الرؤيا عند أهل العلم ما يراه الإنسان في منامه والرؤية ما يراه بعينه في اليقظة فرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن إلا لمن رآه في حياته واما رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فرؤيا ولا تكون رؤيا حق لقوله عليه الصلاة والسلام من رآني فقد رأى الحق[3]. وهو مشترك بين الرؤية والرؤيا وأما قوله عليه الصلاة والسلام 0من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) وأول الكلام من الرؤيا وآخره من الرؤية قال المازري كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا فقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة لما حاولوا الوقوف على حقائق لا تعلم بالعقل ولا يقوم عليها برهان وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت لذلك مقالاتهم فمن ينتمي إلى الطلب ينسب جميع الرؤيا إلى الأخلاط ويقول من غلب عليه البلغم رأى السباحة في الماء أو ما شابهه لمناسبة الماء في طبيعته وطبيعة البلغم. ومن غلب عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو وشبهه لمناسبة النار طبيعة الصفراء ولأن خفتها وإنفاذها تخيل إليه الطيران في الجو والصعود في العلو وهكذا يصنعون في بقية الأخلاط وهذا مذهب وإن جوزه العقل. وأمكن عندنا أن يجري الباري جلت قدرته العادة بأن يخلق مثل ما قالوا عند غلبة هذه الأخلاط فانه لم يقم دليل ولا اطردت به عادة والقطع في موضع التجويز غلط وجهالة هذا لو نسبوا ذلك إلى الأخلاط على جهة الاعتبار وأما ان أضافوا الفعل إليها فإنا نقطع بخطئهم ولا نجوز ما قالوه إذا لا فاعل إلا الله تعالى ولبعض أئمة الفلاسفة تخليط طويل في هذا وكأنه يرى أن صوراً ما تجري في العالم العلوي كالمنقوش وكأنه يدور بدوران الأكر فما حاذى بعض النفوس منه أنتقش فيها وهذا أوضح فساداً من الأول مع كونه تحكماً بما لم يقم عليه برهان والانتقاش من صفات الأجسام وكثيراً ما تجري في العالم والأعراض لا تنتقش ولا ينتقش فيها والمذهب الصحيح ما عليه أهل السنة وهو أن الله سبحانه وتعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ولا يمنع من فعله نوم ولا يقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه سبحانه جعلها علماً على أمور أخرى يخلقها في ثاني حال أو كأن خلقها فإذا خلق في قلب النائم اعتقاد الطيران وليس بطائر فقصارى ما فيه أنه اعتقد أمراً على خلاف ما هو عليه فيكون ذلك الاعتقاد علماً على غيره كما يكون خلق الله تعالى الغيم علماً على المطر والجميع خلق الله ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علماً على ما يسر بحضرة الملك أو بغير حضرة الشيطان ويخلق ضدها مما هو على علم على ما يضر بحضرة الشيطان فينسب إليه مجازاً واتساعاً وهذا المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) لا على أن الشيطان يفعل شيئاً في غيره ويكون الرؤيا اسماً لما يجب والحلم اسم لما يكره انتهى قول المازري. وحكى السهيلي في حقيقة الرؤيا قول الإسفرائيني أبو إسحاق فيما بلغه عنه. أن الرؤيا إدراك بجزء من القلب كما أن الرؤية إدراك بجزء من العين وإذا غشى القلب كله النوم أو عن أكثر من القلب كانت الرؤيا أصفى وأجلى كرؤيا السحر. قال القاضي الرؤيا اعتقادات يعتقدها الرائي في النوم وليس بإدراك الحاسة وقال الأستاذ أبو بكر بن فورك الرؤيا أوهام يتوهمها المرء في حال النوم ثم قال أما قول الإسفرايني فقد يجوز أن يكون في بعض الأحوال لا في جميع أحوال الرؤيا فإن الرائي قد يرى في المنام ما هو معدوم في تلك الحال والمعدوم لا تتعلق به الإدراك وأما قول القاضي اعتقادات فحق لأنه قد يعتقد الشيء على ما هو عليه وقد يعتقده على خء ف ما هو عليه كالذي يرى اللبن في النوم فيعتقده جبناً وهو عبارة عن العلم. وقد يحضر في حال النوم أنه عبارة عن العلم وليس بلبن. واما قول أبي بكر هي أوهام فصحيح وليس بمناقض لقول القاضي لأن النائم يتوهم الشيء في تصوره في خلده . ثم يعتقد مع ذلك التوهم أن الشيء كما يتوهمه لعزوب عقله في النوم فإذا ثاب إليه عقله في اليقظة انحل عنه الاعتقاد وعلم أن الذي توهمه ليس على الصورة التي توهمها كالذي يتوهم في اليقظة وهو في السفينة سائرة وأن البحر يمشي معه وعقله يدفع ما فأجأه به الوهم. ولولا ذلك لاعتقد صحة ما توهم فإذا عزب العقل تحكم الوهم اعتقدت النفس صحة ما يتوهم فثم إذا وهم إما صادق وإما كاذب وثم في تلك الحالة اعتقاد تصديق الوهم. انتهى ما ذكره في حقيقة الرؤيا. قال المازري وأما قوله صلى الله عليه وسلم (فإنها لن تضره) فقيل معناه أن الروع يذهب بهذا النفث المذكور وفي الحديث إذا كان فاعله مصدقاً به متوكلاً على الله جلت قدرته في دفع المكروه. وقيل يحتمل أن يريد أن هذا الفعل منه يمنع من نفوذ ما دل عليه في المنام في المكروه ويكون ذلك سبباً فيه. كما تكون الصدقة تدفع البلاء إلى غير ذلك من النظائر المذكورة عند أهل الشريعة والله تعالى وأعلم[4]
والآن بعد أن عرضنا الأذى والعبث للشياطين نعرض الآن في عجالة العلاج الذي يتم من خلال هذا الأذى والعبث.
[1] وكذلك رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد ورواه ابن ماجة عن ابي هريرة وهو صحيح إن شاء الله
[2] وكذلك رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد ورواه ابن ماجة عن أبي هريرة وهو صحيح إن شاء الله
[3] الحديث رواه الأمام أحمد والشيخان عن أبي قتادة قال السيوطي في الجامع الصحيح ص 304 صحيح
[4] ينكر بعض الناس الأحلام جملة والحق أن الرؤيا علم له اصل في شريعة الإسلام وله قواعد وأصول تتبع عند تأويلها وقد ذكر الحق سبحانه وتعالى الرؤيا في كتابه وهي مادة علمية بعيدة عن الخرافات فليرجع إليها من يشاء في كتاب تفسير الأحلام. لمؤلفه العظيم محمد بن سيرين رائد تفسير الأحلام وأحد مؤسسي هذا العلم الشرعي. وأن كان اليوم اندرج تفسير الأحلام ضمن علم النفس وتأثر بمداسه بعد أن كتب فيه فرويد مجلداً عظيما ً في عام 1900م.
والآن بعد أن عرضنا الأذى والعبث للشياطين نعرض الآن في عجالة العلاج الذي يتم من خلال هذا الأذى والعبث.
[1] وكذلك رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد ورواه ابن ماجة عن ابي هريرة وهو صحيح إن شاء الله
[2] وكذلك رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد ورواه ابن ماجة عن أبي هريرة وهو صحيح إن شاء الله
[3] الحديث رواه الأمام أحمد والشيخان عن أبي قتادة قال السيوطي في الجامع الصحيح ص 304 صحيح
[4] ينكر بعض الناس الأحلام جملة والحق أن الرؤيا علم له اصل في شريعة الإسلام وله قواعد وأصول تتبع عند تأويلها وقد ذكر الحق سبحانه وتعالى الرؤيا في كتابه وهي مادة علمية بعيدة عن الخرافات فليرجع إليها من يشاء في كتاب تفسير الأحلام. لمؤلفه العظيم محمد بن سيرين رائد تفسير الأحلام وأحد مؤسسي هذا العلم الشرعي. وأن كان اليوم اندرج تفسير الأحلام ضمن علم النفس وتأثر بمداسه بعد أن كتب فيه فرويد مجلداً عظيما ً في عام 1900م.