الباب الرابع الأفعال الشيطانية وأحوالها في هذا الفصل سنعرض موضوع الأذى والعبث معاً بعد أن عرضنا العشق في فصل معالجة أمراض المصروع. حيث سنعرض هذا الموضوع في الأفعال الشيطانية وأحوالها من نظرة العين ومن أعراض مرضية تأتي بها الجن لبني الإنسان وسنعرض كيفية العلاج الطبي الذي نحبذه بالأعشاب وليس بالأدوية كما يدعي الغرب.
إن الشيطان يخيل للإنسان الأمور بخلاف ما هي عليه وقال الله عز وجل (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ {48})
(سورة الأنفال – الآية 48)
وكذلك قال الله سبحانه وتعالى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (سورة إبراهيم – الآية 24)
وقال الله تعالى (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {36} وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُون أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ {37} حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ {38} وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ {39})
(سورة الزخرف –الآيات 36-39)
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه رأى جبريل يزع الملائكة والشياطين إذا رأت ملائكة الله التي يؤيد بها عباده هربت منهم والله يؤيد عباده المؤمنين بملائكته وهؤلاء تأتيهم أرواح تخالطهم وتتمثل لهم وهي جن وشياطين فيظنونها ملائكة كالأرواح التي تخاطب من يعبد الكواكب والأصنام وكان أول ما ظهر من هؤلاء في الإسلام المختار بن أبي عبيد الثقفي[1] الذي اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون في ثقيف كذاب ومبير[2] وكان الكذاب المختار بن أبي عبيد الثقفي والمبير الحجاج بن يوسف الثقفي فقيل لابن عمر وابن عباس إن المختار[3] يزعم أنه ينزل إليه فقالا صدق وقال الله عز وجل (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ {221} تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ {222}) (سورة الشعراء – الآيات 221، 222) وقال الآخر أن المختار يزعم أنه يوحي إليه فقال قال الله تعالى
(وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ) سورة الأنعام – الآية 121
وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب الفتوحات أنه ألقى إليه الكتاب ولهذا يذكر أنواعاً من الخلوات بطعام معين وهذه مما تفتح لصاحبها اتصالاً بالجن والشياطين فيظنون ذلك كرامات الأولياء وإنما هو من الأحوال الشيطانية واعرف من هؤلاء عدداً ومنهم من كان يحمل في الهواء إلى مكان بعيد ويعود ومنهم من كان يؤتي بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه بهم ومنهم من كانت تدل على السرقات بجعل يحصل له من الناس أو بعطاء يعطونه إذا دلهم على سرقاتهم ونحو ذلك من الأحوال الشيطانية مثل حال عبد الله بن صياد[4] الذي ظهر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان وقد ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال لكنه كان من جنس الكهان قال النبي صلى الله عليه وسلم قد خبأت لك خبأ قال الدخ الدخ وقد كان خبأ له سورة الدخان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أخسأ فلن تعد قدرك[5] يعني إنما أنت من أخوان الكهان والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع وكانوا يخلطون الصدق بالكذب كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتسترق الشياطين السمع فتوحيه إلى الكهان ويكذبون من عند أنفسهم[6] وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس بينما النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الأنصار إذا رمى بنجم فتنار فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه قالوا كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمر سبح أهل حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء ثم يسأل أهل السماء السابعة حملة العرش ماذا قال ربنا فيخبرونهم ثم يستخير أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا وتخطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى اوليائهم فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون[7] والأسود العنسي الذي ادعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة فلما قلق المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبره بما يقولون فيه حتى أعانتهم عليه امرأته كما تبين لها كفره فقتلوه في شهر جمادى الآخرة لعام 11هـ الموافق يونيو 632م. وكذلك مسليمة الكذاب كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات ويعينه على بعض الأمور (وقد قتل مسليمة الكذاب في عام 12هـ الموافق عام 633م) وأمثال هؤلاء كثيرون مثل الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام في زمن عبد الملك بن مروان وادعى النبوة وكانت الشياطين يخرجون رجليه من القيد وتمنع أن ينفذ فيه السلاح وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده وكان يرى الناس رجالاً وركباناً على خيل في الهواء وتقول هي الملائكة وإنما كانوا جناً ولما أمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم ينفذ فيه فقال له عبد الملك إنك لم تسم الله فسمى الله فطعنه فقتله. وهكذا أهل الأحوال الشيطانية تتصرف لهم شياطينهم لأن ما ذكر عنهم أن ما يطردهم مثل آية الكرسي فأنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة لما وكله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة الفطر فسرق من الشيطان ليلة بعد ليلة وهو يمسكه فيتوب فيطلقه فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل أسيرك البارحة فيقول زعم أنه لا يعود فيقول كذب وأنه سيعود فلما كان في المرة الثالثة قال دعني أعلمك ما ينفعك إذا آويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي فأنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال صدقك وهو كذوب واخبره أنه شيطان[8] ولهذا إذا قرأها الإنسان عند الأحوال الشيطانية بصدق أبطلتها مثل من يدخل النار بحال شيطاني أو يحضر سماع المكاء والتصدية فتتنزل عليه الشياطين وتتكلم على لسانه كلا ما لا يعلم وربما لا يفقه وربما كاشف بعض الحاضرين بما في قلبه وربما تتكلم بألسنة مختلفة كما يتكلم الجني على لسان المصروع والإنسان الذي حصل له الحال لا يدري بذلك بمنزلة المصروع الذي يتخطبه الشيطان من المس ولبسه وتكلم على لسانه فإذا أفاق أنه ثم يشعر بشيء لأن الضرب كان على الجني الذي لبسه. ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان باطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع ومنهم من يطير بهم الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما ومنهم من يحمله عشية عرفة ثم يعيده من ليلته فلا يحج حجاً شرعياً بل يذهب بثيابه ولا يحرم إذا حازى الميقات ولا يلبي ولا يقف المزدلفة ولا يطوف بالبيت ولا يسعى بين الصفا والمروة ولا يرمي الجمار بل يقف بعرفة بثيابه ثم يرجع من ليلته وهذا ليس بحج. وبين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة منها أن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى والأحوال الشيطانية سببها ما نهي الله عنه ورسوله وقد قال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (سورة الأعراف –الآية 33) فالقول على الله بغير علم والشرك والظلم والفواحش قد حرمها الله تعالى ورسوله فلا تكون سبباً لكرامة الله تعالى بالكرامات عليها فإذا كانت لا تحصل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن بل تحصل بما يحبه الشيطان وبالأمور التي فيها شرك كالاستغاثة بالمخلوقات أو كانت مما يستعان بها على ظلم الخلق وفعل الفواحش فهي من الأحوال الشيطانية لا من الكرامات الرحمانية[9]. ومن هؤلاء منهم إذا حضر سماع المكاء والتصدية يتنزل عليه شيطانه حتى يحمله في الهواء ويخرجه من تلك الدار فإذا حصل ر جل من أولياء الله تعالى طرد شيطانه فيسقط كما جرى هذا لغير واحد. من هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت سواء كان ذلك الجني مسلماً أم نصرانياً أو مشركاً فيتصور الشيطان بصورة ذاك المستغاث به فيظن أنه ذلك الشخص أو هو ملك على صورته وإنما هو شيطان أضله لما أشرك بالله كما كانت الشياطين تدخل الأصنام وتكلم المشركين. ومن هؤلاء منهم من يتصور له الشيطان ويقول له أنا الخضر وربما أخبره ببعض الأمور وأعانه على بعض مطالبه كما قد جرى ذلك لغير واحد من المسلمين واليهود والنصارى وكثير من الكفار بأرض المشرق والمغرب يموت لهم فيأتي الشيطان بعد موته على صورته وهم يعتقدون أنه ذلك الميت ويقضي الديون ويرد الودائع ويفعل أشياء تتعلق بالميت ويدخل على زوجته ويذهب وربما يكونون قد أحرقوا ميتهم بالنار كما تصنع كفار الهند فيظنون أنه عاش بعد موته. ومن هؤلاء شيخ كان بمصر أوصى خادمه فقال إذا أنا مت فلا تدع أحداً يغسلني فأنا أجئ وأغسل نفسي فلما مات رأى خادمه شخصاً في صورته فاعتقد انه هو دخل وغسل نفسه فلما قضى ذلك الداخل غسله أي غسل الميت غاب وكان ذلك شيطاناً وكان قد أضل الميت وقال إنك بعد الموت تجئ فتغسل نفسك فلما مات جاء أيضاً في صورته ليغوي الأحياء كما أغوى الميت من قبل. ومنهم من يرى عرشر في الهواء وفوقه نور يسمع ومن يخاطبه ويقول أنا ربك فأن كان من أهل المعرفة علم أنه شيطان فزجره واستعاذ بالله منه فيزول. ومنهم من يرى أشخاصاً في اليقظة يدعي أحدهم أنه نبي أو صديق أو شيخ من الصالحين وهذا حدث لغير واحد. ومنهم من يرى في منامه أن بعض الأكابر إما الصديق أو غيره قد قص شعره أو حلقه أو ألبسه طاقية فيصبح على رأسه طاقية وشعره محلوق أو مقصر وإنما الجن قد حلقوا شعره أو قصروه وهذه الأفعال الشيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة وهم درجات والجن الذين يقترنون بهم من جنسهم وهم على مذهبهم والجن فيهم الكافرة الفاسق والمخطئ فأن كان الإنسي كافراً أو فاسقاً أو جاهلاً دخلوا معه في الكفر والفسوق والضلال وقد يعادونونه إذا وافقهم على ما يختارونه من الكفر مثل الأقسام عليهم وبأسماء من يعظمونه من الجن وغيرهم ومثل ان يكتب أسماء الله أو بعض كلامه بالنجاسة أو يقلب فاتحة الكتاب أو سورة الإخلاص أو آية الكرسي أو غيرهن ويكتبهن بنجاسة فيغورون له الماء وينقلونه بسبب ما يرضيهم به من الكفر وقد يأتونه بما يهواه من إمراة أو صبي إما في الهواء وإما مدفوعاً ملجأ إليه. إن أمثال هذه الأمور التي يطول وصفها والإيمان بها إيمان بالجبت[10] والطاغوت[11] وإن كان الرجل مطيعاً لله ورسوله باطناً وظاهراً لم يمكنهم الدخول معه في ذلك أو مسالمته. ولهذا لما كانت عبادة المسلمين المشروعة في المساجد التي هي بيوت الله كان عمار المساجد أبعد عن هذه الأمور الشيطانية وكان أهل الشرك والبدع يعظمون القبور ومشاهد الموتى فيدعون الميت أو يدعون به أو يعتقدون أن الدعاء عنده مستجاب أقرب إلى الأفعال الشيطانية فأنه ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد[12] وثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال قبل أن يموت بخمس ليالي إن كان من قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد أفلا تتخذوا القبور مساجد فأني أنهاكم عن ذلك[13] وفي الصحيحين عنه أنه ذكر له في مرضه كنيسة بأرض الحبشة وذكروا من حسنها وتصاوير فيها فقال أن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيها تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة[14] وفي المسند وصحيح أبي حاتم عنه صلى الله عليه وسلم قال أن من شرار الخلق من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين اتخذوا القبور مساجد[15] وقد قال الله تعالى في محكم التنزيل عن المشركين من قوم نوح عليه السلام (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) سورة نوح – الآية {23} قال ابن عباس وغيره من السلف هؤلاء كانوا قوم صالحين من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم فكان هذا مبدأ عبادة الأوثان فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد ليسد باب الشرك كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها لأن المشركين يسجدون للشمس حينئذ والشيطان يقارنها وقت الطلوع ووقت الغروب فتكون في الصلاة حينئذ مشابهة لصلاة المشركين فسد هذا الباب. والشيطان يضل دائماً بني آدم بحسب قدرته فمن عبد الشمس والقمر والكواكب ودعاها كما يفعل أهل دعوة الكواكب فانه ينزل عليه شيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو شيطان والشيطان وإن أعان الإنسان على بعض مقاصده فأنه يضره أضعاف ما ينفعه وعاقبه من أطاعه إلى الشر إلا أن يتوب الله عليه وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين وكذلك من استغاث بميت أو غائب وكذلك من دعا الميت أو دعا به أو ظن أن الدعاء عند قبره أفضل منه في البيوت والمساجد ويرون حديثاً هو كذب بإيقاف أهل المعرفة. وهو إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور . وإنما هذا فتح باب أبواب الشرك ويوجد لأهل البدع وأهل الشرك المشبهين من عباد الأصنام والنصارى والضلال من المسلمين أحوال عند المشاهد يظنونها كرامات وهي من فعل الشياطين مثل أن يضعوا سراويل عند القبر فيجدونه قد انعقد أو يوضع عنده مصروع فيرون أن شيطانه قد فارقه يفعل الشيطان هذا ليضلهم وإذا قرأت آية الكرسي هناك بصدق بطل هذا فأن التوحيد يطرد الشيطان ولهذا حمل بعضهم في الهواء فقال لا إله إلا الله فسقط وشل أن يرى أحدهم أن القبر قد انشق وخرج إنسان فيظنه الميت وهو شيطان. ولما كان الانقطاع إلى المغارات والبوادي من البدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله صارت الشياطين كثيراً ما تأوي إلى المغارات والجبال مثل مغارة الدم بجبل قيسون في سوريا وجبل لبنان بشرق لبنان وجبل الفتح بأسوان جنوب مصر وجبال الروم (تركياً حالياً) وخراسان (إيران) وجبال بالجزيرة (العراق) وغير ذلك من الجبال التي يظن بعض الناس أن بها رجالاً من الصالحين من الإنس ويسمونهم رجال الغيب وإنما هناك رجال من الجن فالجن رجال كما للإنس رجال وقال الله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) سورة الجن - الآية {6}
ومن هؤلاء من يظهر بصورة رجل شعراني جلده يشبه جلد الماعز فيظل من يعرفه أنه أنسي وإنما هو جني ويقال لكل جبل من هذه الجبال الأربعون الأبدال وهؤلاء الذين يظن أنهم الأبدال جن بهذه الجبال كما يعرف ذلك بطرق متعددة.
ومن ضمن العبث والأذى للجن والشياطين
[1] المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي (1هـ - 67هـ) (623-687م) ولد في الطائف وكان اباه من شهداء موقعة الجسر في عام 14هـ الموافق عام 635م وهي الموقعة التي سبقت فتوحات العراق فتربى عند عمه سعد بن مسعود الذي تولى حكم المدائن للإمام علي بن أبي طالب وهناك أراد التواطئ مع معاوية ضد الإمام الحسن في عام 40هـ الموافق عام 661م ولكنه فشل بعد رفض عمه سعد أن يبيع الحسن لمعاوية ثم انضم للشيعة بعد ذلك فقاتل مع الحسين عليه السلام ولكنه سجن في عام 61هـ الموافق عام 680م ثم عمل مع ابن الزبير حتى انفصل عنه وهناك قام بحركة التوابين منذ أواخر عام 65هـ الموافق صيف عام 685م.الذي استطاع منها أن يكون لنفسه دولة يتقاسم بها العراق مع الزبيرين منذ ربيع الأول عام 66هـ الموافق أكتوبر عام 685م ولكن لم تدم الدولة لأنها انهارت بعد مقتله في شوال 67هـ الموافق إبريل عام 687م.
[2] البداية والنهابة جـ 5 ص 274
[3] ولم يكتف المختار بل كان يظهر التشيع و يبطن الكهانة ، و أسر إلى أخصائه أنه يوحى إليه ، و لكن ما أدري هل كان يدعي النبوة أم لا ، و كان قد و ضع له كرسي يعظم ويحف به الرجال ، و يستر بالحرير ، ويحمل على البغال ، و كان يضاهي به تابوت بني إسرائيل المذكور في القران ، و لا شك أنه كان ضالاً مضلاً أراح الله المسلمين منه بعدما انتقم به من قوم آخرين من الظالمين ، كما قال تعالى : " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون "
[4] عبد الله بن صاد ولد في المدينة من اصل يهودي أشكل أمره على النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدت عليه علامات االدجال فتوقف في أمره واختلف الصحابة فيه فقال بعضهم أنه هو المسيح الدجال والبعض توقف في أمره والله أعلم بحاله (انظر فتح الباري –173 – 6)
[5] أخرجه البخاري 2:117 ، 4 : 86 ، 8: 46 ، 50 ومسلم في باب الفتن 86 ، 95 وأبو داود (4329) والترمذي
(2249) وأحمد 1: 380 ، و 2: 148 و 3 : 82 وابن كثير 7: 234 و المطالب العالية (4422) والمجمع 8: 5 والأدب المفرد (958) والكنز (38836) و (579713) واخرجه بلفظ أخسأ فأنك لن تعدو قدرك أحمد 5: 148 وأخرجه بلفظ أخساً فأنك لن تعدو أجلك الطبراني 3 : 147
[6] أخرجه البخاري 4 : 135 وجمع الجوامع (5929) والكنز (7673) ومشكاة المصابيح (4594) وتغليق التعليق (1024) والبغوي (4: 60) والقرطبي (7: 4) والطبري (23: 26) والحبائك (133)
[7] أخرجه الترمذي (3224) وأحمد 1: 218 والبيهقي 8: 138 ومشكل الآثار 3 : 113 وزاد المسير 4 : 386 والدر المنثور 5 : 235 ومشكاة المصابيح (4601)
[8] أخرجه البخاري 3 : 132 ، 133 والفتح 4: 487 والترمذي (2880) واحمد 5 : 423 والبيهقي 6 : 53 والطبراني 3: 194 ، 195 والمجمع 6 : 322 والقرطبي 7 : 187 وابن ماجه (2428) وابن أبي شيبة 10 : 398
وابن كثير 1: 452 والدار المنشور 1: 324 ومشكاة الآثار 1: 324 والبغوي 1: 268
[9] أضيف أنا أن الأساس هو بين ولي الله الصالح وبين ولي الشيطان هو سماع القرآن الكريم حيث يقول ابن مسعود أن الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقل والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل
[10] السحر
[11] الشياطين والأصنام
[12] أخرجه البخاري 1: 116 و 2 : 111 و128 6 : 13 ومسلم باب 3 المساجد رقم 19 و 21 وأحمد 1: 218 و 518 و 5: 204 و 6: 34 و 121 و 255 ودلائل النبوة 7 : 264 والتمهيد 1: 196 و 5 : 46 والمجمع 2 : 27 وتلخيص الخبير 1 : 277 و 2: 126 ومشكاة المصابيح (712) وأبو عوانة 1: 399 والخصائص الكبرى 2 : 279
[13] أخرج في شرح السنة 14: 38 ومشكاة المصابيح (6010) وابن أبي عاصم 2: 577 والخطيب 13: 63 وابن عساكر 6 : 412
[14] أخرجه البخاري 1: 117 و 5: 64 ومسلم باب المساجد 16 والنسائي 2: 42 وأحمد 6 : 51 والبيهقي 4 : 80 والكنز 1919 والفتح 7 : 188 والقرطبي 2 : 58 و 14 : 272 و 18 : 308 والتجريد (9) وشرح السنة 2 : 416
[15] أخرجه الإمام أحمد 1: 450 و435 وابن خزيمة (789) والطبراني 10: 232 والمجمع 8 : 13 وابن أبي شيبة 3 : 345 والكنز (19192)
إن الشيطان يخيل للإنسان الأمور بخلاف ما هي عليه وقال الله عز وجل (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ {48})
(سورة الأنفال – الآية 48)
وكذلك قال الله سبحانه وتعالى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (سورة إبراهيم – الآية 24)
وقال الله تعالى (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {36} وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُون أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ {37} حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ {38} وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ {39})
(سورة الزخرف –الآيات 36-39)
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه رأى جبريل يزع الملائكة والشياطين إذا رأت ملائكة الله التي يؤيد بها عباده هربت منهم والله يؤيد عباده المؤمنين بملائكته وهؤلاء تأتيهم أرواح تخالطهم وتتمثل لهم وهي جن وشياطين فيظنونها ملائكة كالأرواح التي تخاطب من يعبد الكواكب والأصنام وكان أول ما ظهر من هؤلاء في الإسلام المختار بن أبي عبيد الثقفي[1] الذي اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون في ثقيف كذاب ومبير[2] وكان الكذاب المختار بن أبي عبيد الثقفي والمبير الحجاج بن يوسف الثقفي فقيل لابن عمر وابن عباس إن المختار[3] يزعم أنه ينزل إليه فقالا صدق وقال الله عز وجل (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ {221} تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ {222}) (سورة الشعراء – الآيات 221، 222) وقال الآخر أن المختار يزعم أنه يوحي إليه فقال قال الله تعالى
(وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ) سورة الأنعام – الآية 121
وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب الفتوحات أنه ألقى إليه الكتاب ولهذا يذكر أنواعاً من الخلوات بطعام معين وهذه مما تفتح لصاحبها اتصالاً بالجن والشياطين فيظنون ذلك كرامات الأولياء وإنما هو من الأحوال الشيطانية واعرف من هؤلاء عدداً ومنهم من كان يحمل في الهواء إلى مكان بعيد ويعود ومنهم من كان يؤتي بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه بهم ومنهم من كانت تدل على السرقات بجعل يحصل له من الناس أو بعطاء يعطونه إذا دلهم على سرقاتهم ونحو ذلك من الأحوال الشيطانية مثل حال عبد الله بن صياد[4] الذي ظهر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان وقد ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال لكنه كان من جنس الكهان قال النبي صلى الله عليه وسلم قد خبأت لك خبأ قال الدخ الدخ وقد كان خبأ له سورة الدخان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أخسأ فلن تعد قدرك[5] يعني إنما أنت من أخوان الكهان والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع وكانوا يخلطون الصدق بالكذب كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتسترق الشياطين السمع فتوحيه إلى الكهان ويكذبون من عند أنفسهم[6] وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس بينما النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الأنصار إذا رمى بنجم فتنار فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه قالوا كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمر سبح أهل حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء ثم يسأل أهل السماء السابعة حملة العرش ماذا قال ربنا فيخبرونهم ثم يستخير أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا وتخطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى اوليائهم فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون[7] والأسود العنسي الذي ادعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة فلما قلق المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبره بما يقولون فيه حتى أعانتهم عليه امرأته كما تبين لها كفره فقتلوه في شهر جمادى الآخرة لعام 11هـ الموافق يونيو 632م. وكذلك مسليمة الكذاب كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات ويعينه على بعض الأمور (وقد قتل مسليمة الكذاب في عام 12هـ الموافق عام 633م) وأمثال هؤلاء كثيرون مثل الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام في زمن عبد الملك بن مروان وادعى النبوة وكانت الشياطين يخرجون رجليه من القيد وتمنع أن ينفذ فيه السلاح وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده وكان يرى الناس رجالاً وركباناً على خيل في الهواء وتقول هي الملائكة وإنما كانوا جناً ولما أمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم ينفذ فيه فقال له عبد الملك إنك لم تسم الله فسمى الله فطعنه فقتله. وهكذا أهل الأحوال الشيطانية تتصرف لهم شياطينهم لأن ما ذكر عنهم أن ما يطردهم مثل آية الكرسي فأنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة لما وكله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة الفطر فسرق من الشيطان ليلة بعد ليلة وهو يمسكه فيتوب فيطلقه فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل أسيرك البارحة فيقول زعم أنه لا يعود فيقول كذب وأنه سيعود فلما كان في المرة الثالثة قال دعني أعلمك ما ينفعك إذا آويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي فأنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال صدقك وهو كذوب واخبره أنه شيطان[8] ولهذا إذا قرأها الإنسان عند الأحوال الشيطانية بصدق أبطلتها مثل من يدخل النار بحال شيطاني أو يحضر سماع المكاء والتصدية فتتنزل عليه الشياطين وتتكلم على لسانه كلا ما لا يعلم وربما لا يفقه وربما كاشف بعض الحاضرين بما في قلبه وربما تتكلم بألسنة مختلفة كما يتكلم الجني على لسان المصروع والإنسان الذي حصل له الحال لا يدري بذلك بمنزلة المصروع الذي يتخطبه الشيطان من المس ولبسه وتكلم على لسانه فإذا أفاق أنه ثم يشعر بشيء لأن الضرب كان على الجني الذي لبسه. ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان باطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع ومنهم من يطير بهم الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما ومنهم من يحمله عشية عرفة ثم يعيده من ليلته فلا يحج حجاً شرعياً بل يذهب بثيابه ولا يحرم إذا حازى الميقات ولا يلبي ولا يقف المزدلفة ولا يطوف بالبيت ولا يسعى بين الصفا والمروة ولا يرمي الجمار بل يقف بعرفة بثيابه ثم يرجع من ليلته وهذا ليس بحج. وبين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة منها أن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى والأحوال الشيطانية سببها ما نهي الله عنه ورسوله وقد قال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (سورة الأعراف –الآية 33) فالقول على الله بغير علم والشرك والظلم والفواحش قد حرمها الله تعالى ورسوله فلا تكون سبباً لكرامة الله تعالى بالكرامات عليها فإذا كانت لا تحصل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن بل تحصل بما يحبه الشيطان وبالأمور التي فيها شرك كالاستغاثة بالمخلوقات أو كانت مما يستعان بها على ظلم الخلق وفعل الفواحش فهي من الأحوال الشيطانية لا من الكرامات الرحمانية[9]. ومن هؤلاء منهم إذا حضر سماع المكاء والتصدية يتنزل عليه شيطانه حتى يحمله في الهواء ويخرجه من تلك الدار فإذا حصل ر جل من أولياء الله تعالى طرد شيطانه فيسقط كما جرى هذا لغير واحد. من هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت سواء كان ذلك الجني مسلماً أم نصرانياً أو مشركاً فيتصور الشيطان بصورة ذاك المستغاث به فيظن أنه ذلك الشخص أو هو ملك على صورته وإنما هو شيطان أضله لما أشرك بالله كما كانت الشياطين تدخل الأصنام وتكلم المشركين. ومن هؤلاء منهم من يتصور له الشيطان ويقول له أنا الخضر وربما أخبره ببعض الأمور وأعانه على بعض مطالبه كما قد جرى ذلك لغير واحد من المسلمين واليهود والنصارى وكثير من الكفار بأرض المشرق والمغرب يموت لهم فيأتي الشيطان بعد موته على صورته وهم يعتقدون أنه ذلك الميت ويقضي الديون ويرد الودائع ويفعل أشياء تتعلق بالميت ويدخل على زوجته ويذهب وربما يكونون قد أحرقوا ميتهم بالنار كما تصنع كفار الهند فيظنون أنه عاش بعد موته. ومن هؤلاء شيخ كان بمصر أوصى خادمه فقال إذا أنا مت فلا تدع أحداً يغسلني فأنا أجئ وأغسل نفسي فلما مات رأى خادمه شخصاً في صورته فاعتقد انه هو دخل وغسل نفسه فلما قضى ذلك الداخل غسله أي غسل الميت غاب وكان ذلك شيطاناً وكان قد أضل الميت وقال إنك بعد الموت تجئ فتغسل نفسك فلما مات جاء أيضاً في صورته ليغوي الأحياء كما أغوى الميت من قبل. ومنهم من يرى عرشر في الهواء وفوقه نور يسمع ومن يخاطبه ويقول أنا ربك فأن كان من أهل المعرفة علم أنه شيطان فزجره واستعاذ بالله منه فيزول. ومنهم من يرى أشخاصاً في اليقظة يدعي أحدهم أنه نبي أو صديق أو شيخ من الصالحين وهذا حدث لغير واحد. ومنهم من يرى في منامه أن بعض الأكابر إما الصديق أو غيره قد قص شعره أو حلقه أو ألبسه طاقية فيصبح على رأسه طاقية وشعره محلوق أو مقصر وإنما الجن قد حلقوا شعره أو قصروه وهذه الأفعال الشيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة وهم درجات والجن الذين يقترنون بهم من جنسهم وهم على مذهبهم والجن فيهم الكافرة الفاسق والمخطئ فأن كان الإنسي كافراً أو فاسقاً أو جاهلاً دخلوا معه في الكفر والفسوق والضلال وقد يعادونونه إذا وافقهم على ما يختارونه من الكفر مثل الأقسام عليهم وبأسماء من يعظمونه من الجن وغيرهم ومثل ان يكتب أسماء الله أو بعض كلامه بالنجاسة أو يقلب فاتحة الكتاب أو سورة الإخلاص أو آية الكرسي أو غيرهن ويكتبهن بنجاسة فيغورون له الماء وينقلونه بسبب ما يرضيهم به من الكفر وقد يأتونه بما يهواه من إمراة أو صبي إما في الهواء وإما مدفوعاً ملجأ إليه. إن أمثال هذه الأمور التي يطول وصفها والإيمان بها إيمان بالجبت[10] والطاغوت[11] وإن كان الرجل مطيعاً لله ورسوله باطناً وظاهراً لم يمكنهم الدخول معه في ذلك أو مسالمته. ولهذا لما كانت عبادة المسلمين المشروعة في المساجد التي هي بيوت الله كان عمار المساجد أبعد عن هذه الأمور الشيطانية وكان أهل الشرك والبدع يعظمون القبور ومشاهد الموتى فيدعون الميت أو يدعون به أو يعتقدون أن الدعاء عنده مستجاب أقرب إلى الأفعال الشيطانية فأنه ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد[12] وثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال قبل أن يموت بخمس ليالي إن كان من قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد أفلا تتخذوا القبور مساجد فأني أنهاكم عن ذلك[13] وفي الصحيحين عنه أنه ذكر له في مرضه كنيسة بأرض الحبشة وذكروا من حسنها وتصاوير فيها فقال أن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيها تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة[14] وفي المسند وصحيح أبي حاتم عنه صلى الله عليه وسلم قال أن من شرار الخلق من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين اتخذوا القبور مساجد[15] وقد قال الله تعالى في محكم التنزيل عن المشركين من قوم نوح عليه السلام (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) سورة نوح – الآية {23} قال ابن عباس وغيره من السلف هؤلاء كانوا قوم صالحين من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم فكان هذا مبدأ عبادة الأوثان فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد ليسد باب الشرك كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها لأن المشركين يسجدون للشمس حينئذ والشيطان يقارنها وقت الطلوع ووقت الغروب فتكون في الصلاة حينئذ مشابهة لصلاة المشركين فسد هذا الباب. والشيطان يضل دائماً بني آدم بحسب قدرته فمن عبد الشمس والقمر والكواكب ودعاها كما يفعل أهل دعوة الكواكب فانه ينزل عليه شيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو شيطان والشيطان وإن أعان الإنسان على بعض مقاصده فأنه يضره أضعاف ما ينفعه وعاقبه من أطاعه إلى الشر إلا أن يتوب الله عليه وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين وكذلك من استغاث بميت أو غائب وكذلك من دعا الميت أو دعا به أو ظن أن الدعاء عند قبره أفضل منه في البيوت والمساجد ويرون حديثاً هو كذب بإيقاف أهل المعرفة. وهو إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور . وإنما هذا فتح باب أبواب الشرك ويوجد لأهل البدع وأهل الشرك المشبهين من عباد الأصنام والنصارى والضلال من المسلمين أحوال عند المشاهد يظنونها كرامات وهي من فعل الشياطين مثل أن يضعوا سراويل عند القبر فيجدونه قد انعقد أو يوضع عنده مصروع فيرون أن شيطانه قد فارقه يفعل الشيطان هذا ليضلهم وإذا قرأت آية الكرسي هناك بصدق بطل هذا فأن التوحيد يطرد الشيطان ولهذا حمل بعضهم في الهواء فقال لا إله إلا الله فسقط وشل أن يرى أحدهم أن القبر قد انشق وخرج إنسان فيظنه الميت وهو شيطان. ولما كان الانقطاع إلى المغارات والبوادي من البدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله صارت الشياطين كثيراً ما تأوي إلى المغارات والجبال مثل مغارة الدم بجبل قيسون في سوريا وجبل لبنان بشرق لبنان وجبل الفتح بأسوان جنوب مصر وجبال الروم (تركياً حالياً) وخراسان (إيران) وجبال بالجزيرة (العراق) وغير ذلك من الجبال التي يظن بعض الناس أن بها رجالاً من الصالحين من الإنس ويسمونهم رجال الغيب وإنما هناك رجال من الجن فالجن رجال كما للإنس رجال وقال الله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) سورة الجن - الآية {6}
ومن هؤلاء من يظهر بصورة رجل شعراني جلده يشبه جلد الماعز فيظل من يعرفه أنه أنسي وإنما هو جني ويقال لكل جبل من هذه الجبال الأربعون الأبدال وهؤلاء الذين يظن أنهم الأبدال جن بهذه الجبال كما يعرف ذلك بطرق متعددة.
ومن ضمن العبث والأذى للجن والشياطين
[1] المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي (1هـ - 67هـ) (623-687م) ولد في الطائف وكان اباه من شهداء موقعة الجسر في عام 14هـ الموافق عام 635م وهي الموقعة التي سبقت فتوحات العراق فتربى عند عمه سعد بن مسعود الذي تولى حكم المدائن للإمام علي بن أبي طالب وهناك أراد التواطئ مع معاوية ضد الإمام الحسن في عام 40هـ الموافق عام 661م ولكنه فشل بعد رفض عمه سعد أن يبيع الحسن لمعاوية ثم انضم للشيعة بعد ذلك فقاتل مع الحسين عليه السلام ولكنه سجن في عام 61هـ الموافق عام 680م ثم عمل مع ابن الزبير حتى انفصل عنه وهناك قام بحركة التوابين منذ أواخر عام 65هـ الموافق صيف عام 685م.الذي استطاع منها أن يكون لنفسه دولة يتقاسم بها العراق مع الزبيرين منذ ربيع الأول عام 66هـ الموافق أكتوبر عام 685م ولكن لم تدم الدولة لأنها انهارت بعد مقتله في شوال 67هـ الموافق إبريل عام 687م.
[2] البداية والنهابة جـ 5 ص 274
[3] ولم يكتف المختار بل كان يظهر التشيع و يبطن الكهانة ، و أسر إلى أخصائه أنه يوحى إليه ، و لكن ما أدري هل كان يدعي النبوة أم لا ، و كان قد و ضع له كرسي يعظم ويحف به الرجال ، و يستر بالحرير ، ويحمل على البغال ، و كان يضاهي به تابوت بني إسرائيل المذكور في القران ، و لا شك أنه كان ضالاً مضلاً أراح الله المسلمين منه بعدما انتقم به من قوم آخرين من الظالمين ، كما قال تعالى : " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون "
[4] عبد الله بن صاد ولد في المدينة من اصل يهودي أشكل أمره على النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدت عليه علامات االدجال فتوقف في أمره واختلف الصحابة فيه فقال بعضهم أنه هو المسيح الدجال والبعض توقف في أمره والله أعلم بحاله (انظر فتح الباري –173 – 6)
[5] أخرجه البخاري 2:117 ، 4 : 86 ، 8: 46 ، 50 ومسلم في باب الفتن 86 ، 95 وأبو داود (4329) والترمذي
(2249) وأحمد 1: 380 ، و 2: 148 و 3 : 82 وابن كثير 7: 234 و المطالب العالية (4422) والمجمع 8: 5 والأدب المفرد (958) والكنز (38836) و (579713) واخرجه بلفظ أخسأ فأنك لن تعدو قدرك أحمد 5: 148 وأخرجه بلفظ أخساً فأنك لن تعدو أجلك الطبراني 3 : 147
[6] أخرجه البخاري 4 : 135 وجمع الجوامع (5929) والكنز (7673) ومشكاة المصابيح (4594) وتغليق التعليق (1024) والبغوي (4: 60) والقرطبي (7: 4) والطبري (23: 26) والحبائك (133)
[7] أخرجه الترمذي (3224) وأحمد 1: 218 والبيهقي 8: 138 ومشكل الآثار 3 : 113 وزاد المسير 4 : 386 والدر المنثور 5 : 235 ومشكاة المصابيح (4601)
[8] أخرجه البخاري 3 : 132 ، 133 والفتح 4: 487 والترمذي (2880) واحمد 5 : 423 والبيهقي 6 : 53 والطبراني 3: 194 ، 195 والمجمع 6 : 322 والقرطبي 7 : 187 وابن ماجه (2428) وابن أبي شيبة 10 : 398
وابن كثير 1: 452 والدار المنشور 1: 324 ومشكاة الآثار 1: 324 والبغوي 1: 268
[9] أضيف أنا أن الأساس هو بين ولي الله الصالح وبين ولي الشيطان هو سماع القرآن الكريم حيث يقول ابن مسعود أن الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقل والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل
[10] السحر
[11] الشياطين والأصنام
[12] أخرجه البخاري 1: 116 و 2 : 111 و128 6 : 13 ومسلم باب 3 المساجد رقم 19 و 21 وأحمد 1: 218 و 518 و 5: 204 و 6: 34 و 121 و 255 ودلائل النبوة 7 : 264 والتمهيد 1: 196 و 5 : 46 والمجمع 2 : 27 وتلخيص الخبير 1 : 277 و 2: 126 ومشكاة المصابيح (712) وأبو عوانة 1: 399 والخصائص الكبرى 2 : 279
[13] أخرج في شرح السنة 14: 38 ومشكاة المصابيح (6010) وابن أبي عاصم 2: 577 والخطيب 13: 63 وابن عساكر 6 : 412
[14] أخرجه البخاري 1: 117 و 5: 64 ومسلم باب المساجد 16 والنسائي 2: 42 وأحمد 6 : 51 والبيهقي 4 : 80 والكنز 1919 والفتح 7 : 188 والقرطبي 2 : 58 و 14 : 272 و 18 : 308 والتجريد (9) وشرح السنة 2 : 416
[15] أخرجه الإمام أحمد 1: 450 و435 وابن خزيمة (789) والطبراني 10: 232 والمجمع 8 : 13 وابن أبي شيبة 3 : 345 والكنز (19192)