الباب الثالث معرفة أعراض المصروع 1- الأعراض هي المصحوبة ببكاء وكلام غير مفهوم عند الغضب أو سماع ما يثيره.
2- الآلام متنقلة في الجسم من مكان لآخر ومن وقت لآخر.
3- رؤية المصروع رجل أو أنثى أحلاماً جنسية بصورة غير عادية وقد يكون صرع العشق خارجي فيكون الجني مصاحباً للأنسي يطوف عليه يتلذذ برؤيته وهو عاري أو في دورات المياه وأيضاً أن يحس الإنسان بأن يوجد شخص يرافقه أو يمسه أو رغبة من الأنثى في النوم على البطن ليس عند النوم فقط بل في حالة اليقظة أيضاً.
4- الإصابة للمرأة بفتور عند اللقاء مع زوجها وربما يبدو أنها غير راغبة في اللقاء أو كارهة له بل يكون أيضاًَ اللقاء مع الزوج عذاب لا متعة فيه وذلك لأن الجن لا يريد أن يتمتع بها غيره وأيضاً قد يحدث بعض تسلخات تناسلية لمنع اللقاء.
5- إصابة الرجل أيضاً بفتور وزهد للنساء أو إعراض عن الزواج بل يكون عنده إفراط في الشهوة عندما تعشقه جنية.
6- إحساس بمصاحبة أو مداعبة عند النوم رؤية أحلام جنسية بصور شبه مفرطة الرغبة الجنسية مع قبول واندفاع للرجال عقد شهوة المرأة وإصابتها ببرود جنسي وسرعة القذف للرجل وأيضاً ضعف الانتصاب أو إغلاق الفرج أو إخراج رائحة كريهة من الفم مما ينظر كل منهما من الآخر وإحداث غازات وانتفاخ في المعدة.
7- إحساس البنات التي لم تتزوجن بعد بعقد شهوتهن وعدم الرغبة في الرجال وعندما تخلو بأنفسهن توجد عندهم الرغبة في الرجال.
8- ويعتبر علاج حالات العشق من هذا النوع من أصعب الأنواع علاجاً وأشد صعوبة إذا تم لقاء بين الجن والإنس في المنام أو اليقظة وحدث إنزال من الطرفين وعلاج هذا النوع يحتاج إلى معالج متفاهم وصبور والمريض أيضاً لا بد أن يكون صبور ولا يتعجل لأن هذا الأمر يحتاج وقت وصبر حتى يأذن الله بالشفاء مع الدعاء والأمور الشرعية
في حكم معالجة المصروع سئل أبو العباس بن تيمية رحمه الله عن رجل ابتلى بمعالجة الجن مدة طويلة لكون بعض من عنده ناله سحر عظيم قليل الوقوع في الوجود وتكرر السحر أكثر من مائة مرة وكاد يتلف المسحور ويقتله بالكلية مرات لا تحصى فقابلهم الرجل المذكور بالتوجه والصد البليغ ودوام الدعاء والالتجاء وتحقيق التوحيد وأحسن بالنصر عليهم ، وكان المصاب يراهم في اليقظة وفي المنام ويسمع كلامهم في اليقظة أيضاً ، فرآهم في أوائل الحال وهم يقولون : مات البارحة منا البعض ومرض جماعة لأجل دعاء الداعي وسموه باسمه وكان بالقاهرة رجل هائل يقل وجود مثله في الوجود يجتمع بهم ويطلع على حقيقة حالهم وله عليهم سلطان باهر مشهور مشهود لغيره فسئل عن حقيقة منام المصاب وعن خبر الدعاء فأخبر بهلك ستة ومرض كثير من الجن. وتكرر هذا نحو من مائة مرة وتبين للرجل الداعي المذكور أن الله تعالى قهرهم له فأنه كان يجد ذلك ويشهده ويعاضده منامات المصاب وسماعه في اليقظة أيضاً وأخبار صاحبهم المذكور وبعد ذلك أذعنوا وذلوا وطلبوا المسألة. فهل يجوز للرجل الداعي مواظبة الذب عن صاحبه المصاب المظلوم مع تحققه هلاك طائفة بعد طائفة والحالة هذه أم لا؟ وهل عليه من إثمهم شيء فأنه قد يكون بعضهم مع صياله مسلماً أم لا؟ وهل يجوز له إسلام صاحبه والتخلي عنه مع ما يشاهده من أذاه وقرب هلاكه أم لا؟ وهل هذا الغزو مشروع وعليه شاهد من السنة النبوية والطريقة السائغة أم لا؟ وهل تشهد الشريعة بصحة وقوع مثل ذلك كما قد تحققه السائل وغيره من المباشرين والمصدقين أم ذلك ممتنع كما تقوله الفلاسفة وبعض أهل البدع؟ وهل تجوز الاستعانة عليه بشيء من صنع أهل التنجيم ونحوهم فيما يعانونه من الحجب والكتابة والبخور والأوراق وغير ذلك لأنهم يتحملون كبر ذلك والمصاب وأهله يطلبون الشفاء وأن كان في ذلك كفر فيكون في عنق صاحبه الذي باع دينه بالدنيا وهذا من باب مقابلة الفاسد بمثله؟ أم لا يجوز ذلك لأجل تقويم طريقهم والدخول في أمر غير مشروع؟ وذكر السائل أسئلة أخرى أضربت عن ذكرها والجواب في نحو كراسين وفيه بسط خارج عن مقصود الجواب اقتضاه اطراد الكلام وتشبث بعضه بأذيال بعض وقد أثبت منه ملخصه المطابق للسؤال. تلخيص الجواب يستحب وقد يجب أن يذب عن المظلوم وأن ينصر فأن نصر المظلوم مأمور به بحسب الإمكان ، وإذا برئ المصاب بالدعاء والذكر وأمر الجن ونهيهم وانتهارهم وسبهم ولعنهم ونحو ذلك من الكلام حصل المقصود وأن كان ذلك يتضمن مرض طائفة الجن أو موتهم فهم الظالمون لأنفسهم إذا كان الراقي الداعي المعالج لم يتعد عليهم كما يتعدى عليهم كثير من أهل العزائم فيأمرون بقتل من لا يجوز قتله وقد يحسبون من لا يحتاج إلى حبسه. ولهذا قد يقابلهم الجن على ذلك ففيهم من تقتله الجن أو تمرضه وفيهم من يفعل ذلك بأهله وأولاده ودوابه. أما من سلك في دفع عدوانهم مسلك العدل الذي أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فأنه لم يظلمهم بل هو مطيع لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في نصر المظلوم وإغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب بالطريق الشرعي التي ليس فيها شرك بالخالق ولا ظلم للمخلوق ومثل هذا لا تؤذيه الجن إما لمعرفتهم بأنه عادل وإما لعجزهم عنه. وأن كان الجن من العفاريت وهو ضعيف فقد تؤذيه فينبغي لمثل هذا أن يحترز بقراءة المعوذات والصلاة والسلام والدعاء ونحو ذلك مما يقوي الإيمان ويجتنب الذنوب التي بها يستطيلون عليه فأنه يجاهد في سبيل الله وهذا من أعظم الجهاد فليحذر أن ينصر العدو عليه بذنوبه. وأن كان الأمر فوق قدرته فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها". ومن أعظم ما ينتصر به عليهم آية الكرسي فقد جرب المجربون الذين لا يحصون كثرة أن لها من التأثير في دفع الشياطين وإبطال أحوالهم ما لا ينضبط من كثرته وقوته. فأن لها تأثير عظيماً في طرد الشياطين عن نفس الإنسان وعن المصروع وعمن تعينه الشياطين من أهل الظلم والغضب وأهل الشهوة والطرب وأرباب سماع المكاء والتصدية إذا قرأت عليهم بصدق والصائل المتعدي يستحق دفعه سواء كان مسلماً أو كافراً فقد قال صلى الله عليه وسلم (من قتل دون ماله فهو شهيد) وورد دون دمه ودون حرمته ودون دينه. فإذا كان المظلوم له أن يدفع عن ماله ولو بقتل الصائل العادي فكيف لا يدفع عن عقله وبدنه وحرمته فأن الشيطان يفسد عقله ويعاقبه في بدنه ، وقد يفعل معه فاحشة ولو فعل إنسي هذا بإنسي ، ولم يندفع إلا بالقتل جاز قتله. وأما إسلام صاحبه والتخلي عنه فهو مثل إسلام أمثاله من المظلومين وهذا فرض على الكفاية مع القدرة ، فأن كان عاجزاً وهو مشغول بما هو أوجب منه أو قام غيره بما لم يجب. وان كان قادراً وقد تعين عليه ولا يشغله عما هو أوجب منه وجب عليه. وقول السائل هل هذا مشروع؟ فهذا من أفضل الأعمال وهو من أعمال الأنبياء والصالحين. فما زال الأنبياء والصالحون يدفعون الشياطين عن بني آدم بما أمر الله تعالى به ورسوله الله صلى الله عليه وسلم كما كان المسيح عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك. وكما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ولو قدر أنه لم ينقل ذلك لكون مثله لم يقع عند الأنبياء لكون الشياطين لم تكن تقدر أن تفعل ذلك عند الأنبياء وفعلت ذلك عندنا فقد أمرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بنصر المظلوم وإغاثة الملهوف ونفع المسلم بما يتناول ذلك . وفي الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفاتحة" وما أدراك أنها رقية" وأذن له في أخذ الجعل وهذا كدفع ظالم الإنس من الكفار والفجار. وقد يحتاج في إبراء المصروع ودفع الجن عنهم إلى الضرب فيضرب ضرباً كثيراً جداً والضرب إنما يقع على الجني ولا يحس به المصروع ويخبر بأنه لم يحس بشيء من ذلك ولا يؤثر في بدنه ويكون قد ضرب بعصا بقوية على رجليه نحو 300 أو 400 ضربة وأكثر وأقل بحيث لو كان على الإنسي تقتله وإنما هو على الجني والجني يصيح ويصرخ ويحدث الحاضرين بأمور متعددة قال المجيب : وقد فعلنا نحن هذا وجربناه مرات كثيرة يطول وصفها بحضرة خلق كثير.
الاستعانة عليهم
قال وأما الاستعانة عليهم بما يقال ويكتب مما لا يعرف معناه فلا يشرع استعماله إن كان فيه شرك وقد يقرؤون مع ذلك شيئاً من القرآن ويظهرونه ويكتمون ما يقولونه من الشرك.. وفي الاستشفاء بما شرعه الله تعالى ورسوله ما يغني عن الشرك وأهله والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات فلا يتنازعون في أن الشرك والكفر لا يجوز التداوي به بحال لأن ذلك محرم في كل حال. وليس هذا كالمتكلم به عند الإكراه فإن ذلك إنما يجوز إذا كان القلب مطمئناًَ بالإيمان والتكلم بما لا يفهم بالعربية إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر. والشيطان إذا عرف أن صاحبه يستخف بالعزائم لم يساعده أيضاً، فأن المكره مضطر إلى التكلم به ولا ضرورة إلى إبراء المصاب به لوجهين أحدهما : أنه قد لا يؤثر فما أكثر من يعالج بالعزائم فلا يؤثر بل يزيده شراً . والثاني أن في الحق ما يغني عن الباطل والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف : قوم يكذبون بدخول الجن في الإنس وقوم يدفعون بذلك بالعزائم المذمومة فهؤلاء يكذبون بالموجود وهؤلاء يكفرون بالرب المعبود والأمة الوسطى تصدق بالحق الموجود وتؤمن بالإله الواحد المعبود وبعبادته ودعائه وذكره وأسمائه وكلامه تدفع شياطين الإنس والجن. انتهى تلخيص الجواب. قلت قوله وقد يحتاج في إبراء المصروع ودفع الجن عنهم إلى الضرب فيضرب ضرباً كثيراً وقد ورد له أصل في الشرع وهو ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وألو القاسم الطبراني من حديث أم أبان بنت الوازع عن أبيها أن جدها انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن له مجنون أو ابن أخت له فقال : يا رسول الله أن معي لي ابناً أو ابن أخت لي مجنوناً أتيتك به لتدعو الله تعالى له؟ قال ائتني به. قال : فانطلقت به إليه وهو في الركاب فأطلقت عنه وألقيت عليه ثياب السفر وألبسته ثوبين حسنين وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادنه مني واجعل ظهره مما يليني قال : فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله فجعل يضرب بظهره حتى رأيت بياض إبطيه ويقول اخرج يا عدو الله فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظر الأول. ثم أقعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه فدعا له بماء فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل عليه. وهذا الحديث فيه ضرب الجني وإن لم تدع الحاجة إلى الضرب فلا يضرب. فقد روى ابن عساكر في الثاني من كتاب الأربعين الطوال حديث أسامة بن زيد قال : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حج فيها فلما هبطنا بطن الروحاء عارضت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحمل صبياً لها فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسير على راحلته ثم قالت : يا رسول الله هذا ابني فلان والذي بعثك بالحق ما أبقى من خفق واحد من لدن أني ولدته إلى ساعته هذا فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحلة فوقف ثم أكسع إليها فبسط إليها يده وقال : هاته فوضعته على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمه إليه فجعله بينه وبين واسطة الرحل ثم تفل في فيه وقال : اخرج يا عدو الله فأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ناولها إياه فقال: خذيه فلن ترى منه شيئاً تكرهينه بعد هذا إن شاء الله. الحديث.
وفي أوائل مسند أبي محمد الدارمي من حديث أبي الزبير عن جابر معناه وقال فيه أخسأ عدو الله أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصل ذلك أنه متى حصل المقصود بالأهون لا يصار إلى ما فوقه ومتى احتيج إلى الضرب وما هو أشد منه صير إليه.
ومن قتل الصائل من الجن قتل عائشة رضي الله عنها الجني الذي كان لا يزال يطلع في بيتها وحديث مجاهد كان الشيطان لا يزال يتزيا لي بابن عباس إذا قمت إلى الصلاة قال : فذكرت قول ابن عباس فحصلت عندي سكيناً فتزيا لي فحملت عليه فطعنته فوقع وله وجبة فلم أره بعد ذلك. ومن ذلك أحاديث تعرض الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم ومد يده إليه ولفته وذعته وقال القاضي أبا الحسن بن القاضي أبي يعلي بن الفراء الحنبلي في كتاب طبقات أصحاب الإمام أحمد بن حنبل سمعت أحمد بن عبيد الله قال سمعت أبا الحسن علي بن أحمد بن علي العكبري قدم علينا من عكبرا في ذي القعدة سنة 352هـ قال حدثني أبي عن جدي كنت في مسجد أبي عبد الله أحمد بن حنبل فأنفذ إليه المتوكل صاحباً له يعلمه أن له جارية بها صرع وسأله أن يدعو الله لها بالعافية فأخرج له أحمد نعلي خشب بشراك من خوص للوضوء فدفعه إلى صاحب له وقال له : امض إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس هذه الجارية وتقول له يعني للجني قال لك أحمد : أيما احب إليك تخرج من هذه الجارية أو تصفع بهذا النعل سبعين. فمضى إليه وقال له مثل ما قال الإمام أحمد فقال له المارد على لسان الجارية : السمع والطاعة لو أمرنا أحمد أن لا نقيم بالعراق ما أقمنا به أنه أطاع الله ومن أطاع الله أطاعه كل شيء. وخرج من الجارية وهدأت ورزقت أولاداً، فلما مات أحمد عاودها المارد فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروزي وعرفه الحال. فأخذ المروزي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها: لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك أحمد بن حنبل أطاع الله فأمرنا بطاعته[1].
والآن بعد أن سردنا في الفصلين السابقين عن الأسباب التي تجعل الجن يدخل في بدن الإنسان وعرضنا كيفية العلاج الشرعي لهذا الموضوع وما هي أعراض المريض سنجد أن السبب الرئيسي القوي لهذا الموضوع هو الحب والعشق ومن هنا سيكون حديثنا عن موضوع الحب والعشق في هذا الفصل في حديثنا عن صرعى الجن العاشق.
الحب ليس حراماً بل الحرام هو العشق أي الإباحة فالحب العفيف الطاهر الذي يودي بقيام أسرة سليمة أو بيت سديد الأركان فليس حراماً بالمطلوب في الحب هو العفاف وعرف الأدب العربي مثل بقية الأدب العالمي قصص الرومانسية ومن أشهر القصص قيس وليلي أو عنترة وعبلة وقيس ولبنى...الخ من تلك القصص الوهميةفي الحب ولكن من المطلوب في الحب أن يكون عفيف وهذا ما عرفه العرب في العصور الإسلامية الأولى الغزل العفيف الذي كان رائده الشاعر العربي الكبير جميل بثينة. ولكن العشق الذي نتحدث عنه ففيه الزنا والعياذ بالله وفساد الأبدان وليس صلاحها وفساد العقول وتخريب البيوت وهدم الأركان التي تقوم عليها الحياة.
ومن هنا نعرض ما هي الأسباب التي تدفع الجني أن يعشق الإنسي
1- أن يرى الجني الإنسي فيحبه فيدخل في جسده ثم يجري في عروقه والسبب هو الحب والمعاشرة كالزواج وفجور من الجن على الإنس وجرأة على المعصية أن الجني ذكر أم أنثى.
2- إغراء الإنس ذكر أم أنثى للجن بإظهار مفاتنه وزينته عند خلع ملابسه واغتساله ودخوله دورات المياه دون ذكر الله.
3- قد يكون أمنية في قلب الإنس بالزواج من الجن أو قد يكون عن هوى وعشق من الجن للإنس بقصد التمتع به أو قد يكون عطف من الجن على الإنس عندما يراه باكياً أو حزيناً أو ينام بمفرده في غرفة أو قد يكون صرع وانتقام أو سفاهة أو خادم سحر تحول إلى عشق.
4- الغناء : فالغناء من الفنون التي عرفت منذ قديم الأزل حيث يقول الرواة أن أحد أخوة نوح عليه السلام كان يعمل في الغناء أي أنه منذ قديم الأزل لكنه لم يشتهر إلا بين العرب حيث أن العرب عرفوا الموسيقى والغناء وبرعوا فيها على حساب الحضارات السابقة ومن هنا يورد الدكتور أحمد شلبي عليه رحمة الله في كتابه موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية – الجزء الثاني (الدولة الأموية) – ص 72 " ونشأ بعد ذلك جيل جديد في الحجاز جيل لم يطمع في سلطان سياسي ولم يكن موضع ثقة خلفاء دمشق فلم توكل لهم أعمال ذات بال وورث هذا الجيل ثروة طائلة جمعها الجيل السابق الذي كانت له الصدارة من قبل فاجتمع بذلك في أبناء مكة والمدينة الفراغ والجدة واتجهت المدينتان المقدستان إلى الأدب والفن تجد فيهما السلوى عما فقدتاه من جاه عريض وسلطان ضخم وهكذا أصبح النسيب فناً قائماً بذاته بعد أن كان يظهر في مطلع القصائد فقط وظهر بمكة عمر بن أبي ربيعة شاعر الغزل الشهير وظهرت الصالونات الأدبية وحلقات الغناء والموسيقى فظهر طويس وابن سريج والغريض وقد أبدع الغريض في الغناء حتى توهم الناس أنه يتلقى غناءه من الجن ويرى أنه خرج مرة إلى طريق الحجاج وتوقف حيث يراهم وهم لا يرونه وأخذ يغني من شعر عمر بن أبي ربيعة
أيها الرائح المجد ابتكارا قد قضى من تهامة الأوطارا
فملك الطرب قلوب السامعين وقالوا طائفة من حجاج الجن" ومن أشهر المغنين العرب معبد الذي توفى في عام 743م . ولما دالت الدولة الأموية وقامت الدولة العباسية اعتمد العباسيون على العناصر الفارسية في تصريف شئون الدولة اعترافاً منهم بفضل الفرس عليهم وأفسحوا لهم المجال في الوظائف الكبرى وفي المناصب القيادية في الدولة. وكان من الطبيعي لذلك أن نشهد في هذا العصر سيطرة العنصر الفارسي في جميع مناحي الحياة الأدبية والمادية. وعلى هذا النحو تسرب الكثير إلى الموسيقى العربية من ضروب النغم الفارسي فازدهر فن الغناء والموسيقى في هذا العصر حتى وصل إلى ذورته في عصر الرشيد الذي نمت فيه كل فنون المعرفة واكتملت كل مقومات النهضة الفنية بتشجيع الخلفاء بحيث يمكننا أن نعتبر هذا العصر العصر الذهبي للموسيقى العربية[2] ولكن انتقل هذا العصر بعد ذلك في القرن التاسع الميلادي في عام 821م بعد أن أسس زرياب في الأندلس مدرسة للغناء والموسيقى هناك وتطورت الموسيقى الأندلسية عما الموسيقى العربية وأضحى لها طعم مميز وغناء مميز بعد ظهور فن الموشحات في القرن الثالث عشر الميلادي مما ميز الأدب الأندلسي الذي ظل مزدهر حتى ما ذبل ريحه وحط عليه الخمول بعد مقتل الشاعر العربي الكبير لسان الدين ابن الخطيب في عام 1374م. ثم انهار فن الغناء والموسيقى بعد ما سقطت الحضارة العربية الإسلامية وتطور الحال إلى وجود نهضة موسيقية في الغرب الأوروبي. وخاصة في إيطاليا حيث قام الموسيقار الكافر مونتفيردي بتطوير الموسيقى الغربية من حالة الجنائزية إلى حالة الموسيقى الأوبرالية بعد أن وضع أول عمل أوبرالي في التاريخ عام 1607م وهو أوريفو ومن هنا ظهرت الموسيقى الغربية بشكلها الدميم وأتت لنا أعمال خبيثة مثل أنطونيو فيفالدي " الأربعة الفصول" ومنها انتقل الأسلوب الإيطالي إلى بقية أنحاء أوروبا فعرفه الألمان على يد باخ ومن بعدهم الأسبان على يد دومينكو بن اليساندرو سكارلاتي في عام 1729م. وفي إنجلترا على يد هاندل ثم تطور الحال إلى ظهور ما يعرف بالموسيقى الكلاسيكية في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي الذي تأثر أحد رواد هذه المدرسة وهو موزارت بالموسيقى الشرقية التي تطورت على يد الأتراك في عام 1778م خوفاً من ضياع الموسيقى العربية التي زحفت وطغت عليها الموسيقى الغربية في العالم بأسره. ومع الوقت تطورت المدارس الموسيقية من العصر الرومانسي إلى العصر الواقعي في القرن التاسع عشر الميلادي. ومن بعدها تفرعت الانطباعية ولكن الموسيقى الغربية على الرغم من فجرها انحسرت أمام قوى الموسيقى الأمريكية التي تعتبر موسيقى شعبية وأغنية شعبية والتي ظهرت مع ظهور مدارس الجاز في أوائل القرن العشرين ومن بعد ظهرت مدارس عديدة كان آخرها الراب الذي ظهر في عام 1978م ولكن الغناء أخذ شكل آخر من الكفر والإلحاد والعياذ بالله في القرن الماضي حيث تحول أحد المغنين الشعبين الذي كانت له في الولايات المتحدة الأمريكية بوب مارلي في عام 1967م إلى عقيدة الرأستافارية وهي أحد العقائد التي تعبد الإمبراطور الأثيوبي ومن هنا تعقدت الأمور في عالم الفن الشعبي فقد ربط بالكفر والإلحاد ومن بعده ربطت الموسيقى الصاخبة بتقديس الشياطين مع ظهور الهيبز في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وعندنا نحن في مصر وجدت هذه الظاهرة صداها مع أوائل عام 1997م بظهور عبدة الشيطان.
ومن هنا الغناء والملاهي أعظم ما يقوى الأحوال الشيطانية وهو سماع المشركين قال الله تعالى (وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء[3] وَتَصْدِيَة[4]ً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون)َ سورة الأنفال – الآية 35
توضح الآيات العبادة التي توحي بالصفير والتصفيق من قبل المشركين والتي تختلف تماماً عن عبادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فعبادتهم ما أمر الله به من الصلاة والقراءة والذكر ونحو ذلك والاجتماعات الشرعية ولم يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على استماع غناء قط لا بكف ولا بدف ولا تواجد ولا تواجد ولا سقطت بردته بلى كل ذلك كذب باتفاق أهل العلم بحديثه.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحد منهم أن يقرأ والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى الأشعري ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون ومر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال له مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت استمع لقراءتك فقال له لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيراً[5] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كذلك زينوا القرآن بأصواتكم[6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لله أشهد أذناً استماعاً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته[7] وقال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود أقرأ علي القرآن فقال أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال أني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى انتهيت إلى هذه الآية (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا)[8] قال حسبك فإذا عيناه تذرفان في البكاء ومثل هذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم كما ذكره الله تعالى في القرآن فقال (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) سورة مريم – الآية 58
وقال في أهل المعرفة (وإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَق)ِّ َ سورة المائدة – الآية 83
ومدح سبحانه وتعالى أهل السماع بما يحصل لهم من زيادة الإيمان واقشعرار الجلد ودمع العين فقال تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه)ِّ سورة الزمر –الآية 23 ِ وقال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {2} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {4}) سورة الأنفال – الآيات 2-4
وأما السماع المحدث سماع الكف والدف والقصب فلم تكن الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر الأكابر من أئمة الدين يجعلون هذا طريقاً إلى الله تبارك وتعالى ولا يعدونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع المذمومة حتى قال الشافعي خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن وأولياء الله العارفون يعرفون ذلك ويعلمون أن للشيطان فيه نصيباً وافراً ولهذا تاب منه خيار من حضره منهم ومن كان أبعد عن المعرفة وعن كمال ولاية الله كان نصيب الشيطان منه أكثر وهو بمنزلة الخمر يؤثر في النفوس أعظم من تأثير الخمر ولهذا إذا قويت سكرة أهله نزلت عليهم الشياطين وتكلمت على ألسنة بعضهم.
وهذه هي أهم الأسباب التي تدفع الجني أن يصرع الإنسان ومن أشهرهم الغناء والعشق ولكننا سنسرد هنا في الحديث التالي هو كيفية الاستمتاع بين الإنس والجن وكيف دخول تلك الطائفة إلى القلوب ثم نعرض حالات العشق وعلاجها ومن بعدها نتحدث عن موضوع الحيض وموضوع العقم على أساس أنهما خاصين بالعلاقات الإنسانية.
[1] بدر الدين الشبلي – أحكام الجان –146-152.
[2] السيد عبد العزيز سالم ، تاريخ الحضارة الإسلامية والآثار الإسلامية ، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والتوزيع ، 1996م.
[3] المكاء ما قبل التصفير فكان المشركون يتخذونه عبادة
[4] التصدية التصفيق باليد
[5] أصله في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود أخرجه البخاري (5048) ومسلم (793) وسياق الحديث بأكمله (بما فيه زيادته لحبرته لك = تحبيراً) عزاه الحافظ في الفتح (9/93) إلى أبي يعلي والروياني ونحوه عند ابن سعد بإسناد على شرط مسلم (ومعنى تحبيراً تلحيناً)
[6] أخرجه البخاري معلقاً (فتح الباري 13/518) وأحمد (4/238 و285 و296 و304) وأبو داود (1468 ) وابن ماجه
(1342) والنسائي (2/179) من حديث البراء رضي الله عنه مرفوعاً وأشار الحافظ في الفتح (13/518) إلى طريق أخرى له
[7] أخرجه أحمد (6 /19، 20) وابن ماجة (1340) من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه مرفوعاً وفي إسناده ميسرة مولى فضالة وهو مجهول لكن أخرج البخاري (5023) و (5024) و (7482) و(7544) ومسلم (792) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به
[8] سورة النساء – الآية 41
2- الآلام متنقلة في الجسم من مكان لآخر ومن وقت لآخر.
3- رؤية المصروع رجل أو أنثى أحلاماً جنسية بصورة غير عادية وقد يكون صرع العشق خارجي فيكون الجني مصاحباً للأنسي يطوف عليه يتلذذ برؤيته وهو عاري أو في دورات المياه وأيضاً أن يحس الإنسان بأن يوجد شخص يرافقه أو يمسه أو رغبة من الأنثى في النوم على البطن ليس عند النوم فقط بل في حالة اليقظة أيضاً.
4- الإصابة للمرأة بفتور عند اللقاء مع زوجها وربما يبدو أنها غير راغبة في اللقاء أو كارهة له بل يكون أيضاًَ اللقاء مع الزوج عذاب لا متعة فيه وذلك لأن الجن لا يريد أن يتمتع بها غيره وأيضاً قد يحدث بعض تسلخات تناسلية لمنع اللقاء.
5- إصابة الرجل أيضاً بفتور وزهد للنساء أو إعراض عن الزواج بل يكون عنده إفراط في الشهوة عندما تعشقه جنية.
6- إحساس بمصاحبة أو مداعبة عند النوم رؤية أحلام جنسية بصور شبه مفرطة الرغبة الجنسية مع قبول واندفاع للرجال عقد شهوة المرأة وإصابتها ببرود جنسي وسرعة القذف للرجل وأيضاً ضعف الانتصاب أو إغلاق الفرج أو إخراج رائحة كريهة من الفم مما ينظر كل منهما من الآخر وإحداث غازات وانتفاخ في المعدة.
7- إحساس البنات التي لم تتزوجن بعد بعقد شهوتهن وعدم الرغبة في الرجال وعندما تخلو بأنفسهن توجد عندهم الرغبة في الرجال.
8- ويعتبر علاج حالات العشق من هذا النوع من أصعب الأنواع علاجاً وأشد صعوبة إذا تم لقاء بين الجن والإنس في المنام أو اليقظة وحدث إنزال من الطرفين وعلاج هذا النوع يحتاج إلى معالج متفاهم وصبور والمريض أيضاً لا بد أن يكون صبور ولا يتعجل لأن هذا الأمر يحتاج وقت وصبر حتى يأذن الله بالشفاء مع الدعاء والأمور الشرعية
في حكم معالجة المصروع سئل أبو العباس بن تيمية رحمه الله عن رجل ابتلى بمعالجة الجن مدة طويلة لكون بعض من عنده ناله سحر عظيم قليل الوقوع في الوجود وتكرر السحر أكثر من مائة مرة وكاد يتلف المسحور ويقتله بالكلية مرات لا تحصى فقابلهم الرجل المذكور بالتوجه والصد البليغ ودوام الدعاء والالتجاء وتحقيق التوحيد وأحسن بالنصر عليهم ، وكان المصاب يراهم في اليقظة وفي المنام ويسمع كلامهم في اليقظة أيضاً ، فرآهم في أوائل الحال وهم يقولون : مات البارحة منا البعض ومرض جماعة لأجل دعاء الداعي وسموه باسمه وكان بالقاهرة رجل هائل يقل وجود مثله في الوجود يجتمع بهم ويطلع على حقيقة حالهم وله عليهم سلطان باهر مشهور مشهود لغيره فسئل عن حقيقة منام المصاب وعن خبر الدعاء فأخبر بهلك ستة ومرض كثير من الجن. وتكرر هذا نحو من مائة مرة وتبين للرجل الداعي المذكور أن الله تعالى قهرهم له فأنه كان يجد ذلك ويشهده ويعاضده منامات المصاب وسماعه في اليقظة أيضاً وأخبار صاحبهم المذكور وبعد ذلك أذعنوا وذلوا وطلبوا المسألة. فهل يجوز للرجل الداعي مواظبة الذب عن صاحبه المصاب المظلوم مع تحققه هلاك طائفة بعد طائفة والحالة هذه أم لا؟ وهل عليه من إثمهم شيء فأنه قد يكون بعضهم مع صياله مسلماً أم لا؟ وهل يجوز له إسلام صاحبه والتخلي عنه مع ما يشاهده من أذاه وقرب هلاكه أم لا؟ وهل هذا الغزو مشروع وعليه شاهد من السنة النبوية والطريقة السائغة أم لا؟ وهل تشهد الشريعة بصحة وقوع مثل ذلك كما قد تحققه السائل وغيره من المباشرين والمصدقين أم ذلك ممتنع كما تقوله الفلاسفة وبعض أهل البدع؟ وهل تجوز الاستعانة عليه بشيء من صنع أهل التنجيم ونحوهم فيما يعانونه من الحجب والكتابة والبخور والأوراق وغير ذلك لأنهم يتحملون كبر ذلك والمصاب وأهله يطلبون الشفاء وأن كان في ذلك كفر فيكون في عنق صاحبه الذي باع دينه بالدنيا وهذا من باب مقابلة الفاسد بمثله؟ أم لا يجوز ذلك لأجل تقويم طريقهم والدخول في أمر غير مشروع؟ وذكر السائل أسئلة أخرى أضربت عن ذكرها والجواب في نحو كراسين وفيه بسط خارج عن مقصود الجواب اقتضاه اطراد الكلام وتشبث بعضه بأذيال بعض وقد أثبت منه ملخصه المطابق للسؤال. تلخيص الجواب يستحب وقد يجب أن يذب عن المظلوم وأن ينصر فأن نصر المظلوم مأمور به بحسب الإمكان ، وإذا برئ المصاب بالدعاء والذكر وأمر الجن ونهيهم وانتهارهم وسبهم ولعنهم ونحو ذلك من الكلام حصل المقصود وأن كان ذلك يتضمن مرض طائفة الجن أو موتهم فهم الظالمون لأنفسهم إذا كان الراقي الداعي المعالج لم يتعد عليهم كما يتعدى عليهم كثير من أهل العزائم فيأمرون بقتل من لا يجوز قتله وقد يحسبون من لا يحتاج إلى حبسه. ولهذا قد يقابلهم الجن على ذلك ففيهم من تقتله الجن أو تمرضه وفيهم من يفعل ذلك بأهله وأولاده ودوابه. أما من سلك في دفع عدوانهم مسلك العدل الذي أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فأنه لم يظلمهم بل هو مطيع لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في نصر المظلوم وإغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب بالطريق الشرعي التي ليس فيها شرك بالخالق ولا ظلم للمخلوق ومثل هذا لا تؤذيه الجن إما لمعرفتهم بأنه عادل وإما لعجزهم عنه. وأن كان الجن من العفاريت وهو ضعيف فقد تؤذيه فينبغي لمثل هذا أن يحترز بقراءة المعوذات والصلاة والسلام والدعاء ونحو ذلك مما يقوي الإيمان ويجتنب الذنوب التي بها يستطيلون عليه فأنه يجاهد في سبيل الله وهذا من أعظم الجهاد فليحذر أن ينصر العدو عليه بذنوبه. وأن كان الأمر فوق قدرته فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها". ومن أعظم ما ينتصر به عليهم آية الكرسي فقد جرب المجربون الذين لا يحصون كثرة أن لها من التأثير في دفع الشياطين وإبطال أحوالهم ما لا ينضبط من كثرته وقوته. فأن لها تأثير عظيماً في طرد الشياطين عن نفس الإنسان وعن المصروع وعمن تعينه الشياطين من أهل الظلم والغضب وأهل الشهوة والطرب وأرباب سماع المكاء والتصدية إذا قرأت عليهم بصدق والصائل المتعدي يستحق دفعه سواء كان مسلماً أو كافراً فقد قال صلى الله عليه وسلم (من قتل دون ماله فهو شهيد) وورد دون دمه ودون حرمته ودون دينه. فإذا كان المظلوم له أن يدفع عن ماله ولو بقتل الصائل العادي فكيف لا يدفع عن عقله وبدنه وحرمته فأن الشيطان يفسد عقله ويعاقبه في بدنه ، وقد يفعل معه فاحشة ولو فعل إنسي هذا بإنسي ، ولم يندفع إلا بالقتل جاز قتله. وأما إسلام صاحبه والتخلي عنه فهو مثل إسلام أمثاله من المظلومين وهذا فرض على الكفاية مع القدرة ، فأن كان عاجزاً وهو مشغول بما هو أوجب منه أو قام غيره بما لم يجب. وان كان قادراً وقد تعين عليه ولا يشغله عما هو أوجب منه وجب عليه. وقول السائل هل هذا مشروع؟ فهذا من أفضل الأعمال وهو من أعمال الأنبياء والصالحين. فما زال الأنبياء والصالحون يدفعون الشياطين عن بني آدم بما أمر الله تعالى به ورسوله الله صلى الله عليه وسلم كما كان المسيح عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك. وكما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ولو قدر أنه لم ينقل ذلك لكون مثله لم يقع عند الأنبياء لكون الشياطين لم تكن تقدر أن تفعل ذلك عند الأنبياء وفعلت ذلك عندنا فقد أمرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بنصر المظلوم وإغاثة الملهوف ونفع المسلم بما يتناول ذلك . وفي الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفاتحة" وما أدراك أنها رقية" وأذن له في أخذ الجعل وهذا كدفع ظالم الإنس من الكفار والفجار. وقد يحتاج في إبراء المصروع ودفع الجن عنهم إلى الضرب فيضرب ضرباً كثيراً جداً والضرب إنما يقع على الجني ولا يحس به المصروع ويخبر بأنه لم يحس بشيء من ذلك ولا يؤثر في بدنه ويكون قد ضرب بعصا بقوية على رجليه نحو 300 أو 400 ضربة وأكثر وأقل بحيث لو كان على الإنسي تقتله وإنما هو على الجني والجني يصيح ويصرخ ويحدث الحاضرين بأمور متعددة قال المجيب : وقد فعلنا نحن هذا وجربناه مرات كثيرة يطول وصفها بحضرة خلق كثير.
الاستعانة عليهم
قال وأما الاستعانة عليهم بما يقال ويكتب مما لا يعرف معناه فلا يشرع استعماله إن كان فيه شرك وقد يقرؤون مع ذلك شيئاً من القرآن ويظهرونه ويكتمون ما يقولونه من الشرك.. وفي الاستشفاء بما شرعه الله تعالى ورسوله ما يغني عن الشرك وأهله والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات فلا يتنازعون في أن الشرك والكفر لا يجوز التداوي به بحال لأن ذلك محرم في كل حال. وليس هذا كالمتكلم به عند الإكراه فإن ذلك إنما يجوز إذا كان القلب مطمئناًَ بالإيمان والتكلم بما لا يفهم بالعربية إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر. والشيطان إذا عرف أن صاحبه يستخف بالعزائم لم يساعده أيضاً، فأن المكره مضطر إلى التكلم به ولا ضرورة إلى إبراء المصاب به لوجهين أحدهما : أنه قد لا يؤثر فما أكثر من يعالج بالعزائم فلا يؤثر بل يزيده شراً . والثاني أن في الحق ما يغني عن الباطل والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف : قوم يكذبون بدخول الجن في الإنس وقوم يدفعون بذلك بالعزائم المذمومة فهؤلاء يكذبون بالموجود وهؤلاء يكفرون بالرب المعبود والأمة الوسطى تصدق بالحق الموجود وتؤمن بالإله الواحد المعبود وبعبادته ودعائه وذكره وأسمائه وكلامه تدفع شياطين الإنس والجن. انتهى تلخيص الجواب. قلت قوله وقد يحتاج في إبراء المصروع ودفع الجن عنهم إلى الضرب فيضرب ضرباً كثيراً وقد ورد له أصل في الشرع وهو ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وألو القاسم الطبراني من حديث أم أبان بنت الوازع عن أبيها أن جدها انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن له مجنون أو ابن أخت له فقال : يا رسول الله أن معي لي ابناً أو ابن أخت لي مجنوناً أتيتك به لتدعو الله تعالى له؟ قال ائتني به. قال : فانطلقت به إليه وهو في الركاب فأطلقت عنه وألقيت عليه ثياب السفر وألبسته ثوبين حسنين وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادنه مني واجعل ظهره مما يليني قال : فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله فجعل يضرب بظهره حتى رأيت بياض إبطيه ويقول اخرج يا عدو الله فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظر الأول. ثم أقعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه فدعا له بماء فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل عليه. وهذا الحديث فيه ضرب الجني وإن لم تدع الحاجة إلى الضرب فلا يضرب. فقد روى ابن عساكر في الثاني من كتاب الأربعين الطوال حديث أسامة بن زيد قال : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حج فيها فلما هبطنا بطن الروحاء عارضت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحمل صبياً لها فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسير على راحلته ثم قالت : يا رسول الله هذا ابني فلان والذي بعثك بالحق ما أبقى من خفق واحد من لدن أني ولدته إلى ساعته هذا فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحلة فوقف ثم أكسع إليها فبسط إليها يده وقال : هاته فوضعته على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمه إليه فجعله بينه وبين واسطة الرحل ثم تفل في فيه وقال : اخرج يا عدو الله فأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ناولها إياه فقال: خذيه فلن ترى منه شيئاً تكرهينه بعد هذا إن شاء الله. الحديث.
وفي أوائل مسند أبي محمد الدارمي من حديث أبي الزبير عن جابر معناه وقال فيه أخسأ عدو الله أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصل ذلك أنه متى حصل المقصود بالأهون لا يصار إلى ما فوقه ومتى احتيج إلى الضرب وما هو أشد منه صير إليه.
ومن قتل الصائل من الجن قتل عائشة رضي الله عنها الجني الذي كان لا يزال يطلع في بيتها وحديث مجاهد كان الشيطان لا يزال يتزيا لي بابن عباس إذا قمت إلى الصلاة قال : فذكرت قول ابن عباس فحصلت عندي سكيناً فتزيا لي فحملت عليه فطعنته فوقع وله وجبة فلم أره بعد ذلك. ومن ذلك أحاديث تعرض الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم ومد يده إليه ولفته وذعته وقال القاضي أبا الحسن بن القاضي أبي يعلي بن الفراء الحنبلي في كتاب طبقات أصحاب الإمام أحمد بن حنبل سمعت أحمد بن عبيد الله قال سمعت أبا الحسن علي بن أحمد بن علي العكبري قدم علينا من عكبرا في ذي القعدة سنة 352هـ قال حدثني أبي عن جدي كنت في مسجد أبي عبد الله أحمد بن حنبل فأنفذ إليه المتوكل صاحباً له يعلمه أن له جارية بها صرع وسأله أن يدعو الله لها بالعافية فأخرج له أحمد نعلي خشب بشراك من خوص للوضوء فدفعه إلى صاحب له وقال له : امض إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس هذه الجارية وتقول له يعني للجني قال لك أحمد : أيما احب إليك تخرج من هذه الجارية أو تصفع بهذا النعل سبعين. فمضى إليه وقال له مثل ما قال الإمام أحمد فقال له المارد على لسان الجارية : السمع والطاعة لو أمرنا أحمد أن لا نقيم بالعراق ما أقمنا به أنه أطاع الله ومن أطاع الله أطاعه كل شيء. وخرج من الجارية وهدأت ورزقت أولاداً، فلما مات أحمد عاودها المارد فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروزي وعرفه الحال. فأخذ المروزي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها: لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك أحمد بن حنبل أطاع الله فأمرنا بطاعته[1].
والآن بعد أن سردنا في الفصلين السابقين عن الأسباب التي تجعل الجن يدخل في بدن الإنسان وعرضنا كيفية العلاج الشرعي لهذا الموضوع وما هي أعراض المريض سنجد أن السبب الرئيسي القوي لهذا الموضوع هو الحب والعشق ومن هنا سيكون حديثنا عن موضوع الحب والعشق في هذا الفصل في حديثنا عن صرعى الجن العاشق.
الحب ليس حراماً بل الحرام هو العشق أي الإباحة فالحب العفيف الطاهر الذي يودي بقيام أسرة سليمة أو بيت سديد الأركان فليس حراماً بالمطلوب في الحب هو العفاف وعرف الأدب العربي مثل بقية الأدب العالمي قصص الرومانسية ومن أشهر القصص قيس وليلي أو عنترة وعبلة وقيس ولبنى...الخ من تلك القصص الوهميةفي الحب ولكن من المطلوب في الحب أن يكون عفيف وهذا ما عرفه العرب في العصور الإسلامية الأولى الغزل العفيف الذي كان رائده الشاعر العربي الكبير جميل بثينة. ولكن العشق الذي نتحدث عنه ففيه الزنا والعياذ بالله وفساد الأبدان وليس صلاحها وفساد العقول وتخريب البيوت وهدم الأركان التي تقوم عليها الحياة.
ومن هنا نعرض ما هي الأسباب التي تدفع الجني أن يعشق الإنسي
1- أن يرى الجني الإنسي فيحبه فيدخل في جسده ثم يجري في عروقه والسبب هو الحب والمعاشرة كالزواج وفجور من الجن على الإنس وجرأة على المعصية أن الجني ذكر أم أنثى.
2- إغراء الإنس ذكر أم أنثى للجن بإظهار مفاتنه وزينته عند خلع ملابسه واغتساله ودخوله دورات المياه دون ذكر الله.
3- قد يكون أمنية في قلب الإنس بالزواج من الجن أو قد يكون عن هوى وعشق من الجن للإنس بقصد التمتع به أو قد يكون عطف من الجن على الإنس عندما يراه باكياً أو حزيناً أو ينام بمفرده في غرفة أو قد يكون صرع وانتقام أو سفاهة أو خادم سحر تحول إلى عشق.
4- الغناء : فالغناء من الفنون التي عرفت منذ قديم الأزل حيث يقول الرواة أن أحد أخوة نوح عليه السلام كان يعمل في الغناء أي أنه منذ قديم الأزل لكنه لم يشتهر إلا بين العرب حيث أن العرب عرفوا الموسيقى والغناء وبرعوا فيها على حساب الحضارات السابقة ومن هنا يورد الدكتور أحمد شلبي عليه رحمة الله في كتابه موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية – الجزء الثاني (الدولة الأموية) – ص 72 " ونشأ بعد ذلك جيل جديد في الحجاز جيل لم يطمع في سلطان سياسي ولم يكن موضع ثقة خلفاء دمشق فلم توكل لهم أعمال ذات بال وورث هذا الجيل ثروة طائلة جمعها الجيل السابق الذي كانت له الصدارة من قبل فاجتمع بذلك في أبناء مكة والمدينة الفراغ والجدة واتجهت المدينتان المقدستان إلى الأدب والفن تجد فيهما السلوى عما فقدتاه من جاه عريض وسلطان ضخم وهكذا أصبح النسيب فناً قائماً بذاته بعد أن كان يظهر في مطلع القصائد فقط وظهر بمكة عمر بن أبي ربيعة شاعر الغزل الشهير وظهرت الصالونات الأدبية وحلقات الغناء والموسيقى فظهر طويس وابن سريج والغريض وقد أبدع الغريض في الغناء حتى توهم الناس أنه يتلقى غناءه من الجن ويرى أنه خرج مرة إلى طريق الحجاج وتوقف حيث يراهم وهم لا يرونه وأخذ يغني من شعر عمر بن أبي ربيعة
أيها الرائح المجد ابتكارا قد قضى من تهامة الأوطارا
فملك الطرب قلوب السامعين وقالوا طائفة من حجاج الجن" ومن أشهر المغنين العرب معبد الذي توفى في عام 743م . ولما دالت الدولة الأموية وقامت الدولة العباسية اعتمد العباسيون على العناصر الفارسية في تصريف شئون الدولة اعترافاً منهم بفضل الفرس عليهم وأفسحوا لهم المجال في الوظائف الكبرى وفي المناصب القيادية في الدولة. وكان من الطبيعي لذلك أن نشهد في هذا العصر سيطرة العنصر الفارسي في جميع مناحي الحياة الأدبية والمادية. وعلى هذا النحو تسرب الكثير إلى الموسيقى العربية من ضروب النغم الفارسي فازدهر فن الغناء والموسيقى في هذا العصر حتى وصل إلى ذورته في عصر الرشيد الذي نمت فيه كل فنون المعرفة واكتملت كل مقومات النهضة الفنية بتشجيع الخلفاء بحيث يمكننا أن نعتبر هذا العصر العصر الذهبي للموسيقى العربية[2] ولكن انتقل هذا العصر بعد ذلك في القرن التاسع الميلادي في عام 821م بعد أن أسس زرياب في الأندلس مدرسة للغناء والموسيقى هناك وتطورت الموسيقى الأندلسية عما الموسيقى العربية وأضحى لها طعم مميز وغناء مميز بعد ظهور فن الموشحات في القرن الثالث عشر الميلادي مما ميز الأدب الأندلسي الذي ظل مزدهر حتى ما ذبل ريحه وحط عليه الخمول بعد مقتل الشاعر العربي الكبير لسان الدين ابن الخطيب في عام 1374م. ثم انهار فن الغناء والموسيقى بعد ما سقطت الحضارة العربية الإسلامية وتطور الحال إلى وجود نهضة موسيقية في الغرب الأوروبي. وخاصة في إيطاليا حيث قام الموسيقار الكافر مونتفيردي بتطوير الموسيقى الغربية من حالة الجنائزية إلى حالة الموسيقى الأوبرالية بعد أن وضع أول عمل أوبرالي في التاريخ عام 1607م وهو أوريفو ومن هنا ظهرت الموسيقى الغربية بشكلها الدميم وأتت لنا أعمال خبيثة مثل أنطونيو فيفالدي " الأربعة الفصول" ومنها انتقل الأسلوب الإيطالي إلى بقية أنحاء أوروبا فعرفه الألمان على يد باخ ومن بعدهم الأسبان على يد دومينكو بن اليساندرو سكارلاتي في عام 1729م. وفي إنجلترا على يد هاندل ثم تطور الحال إلى ظهور ما يعرف بالموسيقى الكلاسيكية في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي الذي تأثر أحد رواد هذه المدرسة وهو موزارت بالموسيقى الشرقية التي تطورت على يد الأتراك في عام 1778م خوفاً من ضياع الموسيقى العربية التي زحفت وطغت عليها الموسيقى الغربية في العالم بأسره. ومع الوقت تطورت المدارس الموسيقية من العصر الرومانسي إلى العصر الواقعي في القرن التاسع عشر الميلادي. ومن بعدها تفرعت الانطباعية ولكن الموسيقى الغربية على الرغم من فجرها انحسرت أمام قوى الموسيقى الأمريكية التي تعتبر موسيقى شعبية وأغنية شعبية والتي ظهرت مع ظهور مدارس الجاز في أوائل القرن العشرين ومن بعد ظهرت مدارس عديدة كان آخرها الراب الذي ظهر في عام 1978م ولكن الغناء أخذ شكل آخر من الكفر والإلحاد والعياذ بالله في القرن الماضي حيث تحول أحد المغنين الشعبين الذي كانت له في الولايات المتحدة الأمريكية بوب مارلي في عام 1967م إلى عقيدة الرأستافارية وهي أحد العقائد التي تعبد الإمبراطور الأثيوبي ومن هنا تعقدت الأمور في عالم الفن الشعبي فقد ربط بالكفر والإلحاد ومن بعده ربطت الموسيقى الصاخبة بتقديس الشياطين مع ظهور الهيبز في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وعندنا نحن في مصر وجدت هذه الظاهرة صداها مع أوائل عام 1997م بظهور عبدة الشيطان.
ومن هنا الغناء والملاهي أعظم ما يقوى الأحوال الشيطانية وهو سماع المشركين قال الله تعالى (وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء[3] وَتَصْدِيَة[4]ً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون)َ سورة الأنفال – الآية 35
توضح الآيات العبادة التي توحي بالصفير والتصفيق من قبل المشركين والتي تختلف تماماً عن عبادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فعبادتهم ما أمر الله به من الصلاة والقراءة والذكر ونحو ذلك والاجتماعات الشرعية ولم يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على استماع غناء قط لا بكف ولا بدف ولا تواجد ولا تواجد ولا سقطت بردته بلى كل ذلك كذب باتفاق أهل العلم بحديثه.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحد منهم أن يقرأ والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى الأشعري ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون ومر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال له مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت استمع لقراءتك فقال له لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيراً[5] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كذلك زينوا القرآن بأصواتكم[6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لله أشهد أذناً استماعاً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته[7] وقال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود أقرأ علي القرآن فقال أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال أني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى انتهيت إلى هذه الآية (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا)[8] قال حسبك فإذا عيناه تذرفان في البكاء ومثل هذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم كما ذكره الله تعالى في القرآن فقال (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) سورة مريم – الآية 58
وقال في أهل المعرفة (وإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَق)ِّ َ سورة المائدة – الآية 83
ومدح سبحانه وتعالى أهل السماع بما يحصل لهم من زيادة الإيمان واقشعرار الجلد ودمع العين فقال تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه)ِّ سورة الزمر –الآية 23 ِ وقال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {2} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {4}) سورة الأنفال – الآيات 2-4
وأما السماع المحدث سماع الكف والدف والقصب فلم تكن الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر الأكابر من أئمة الدين يجعلون هذا طريقاً إلى الله تبارك وتعالى ولا يعدونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع المذمومة حتى قال الشافعي خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن وأولياء الله العارفون يعرفون ذلك ويعلمون أن للشيطان فيه نصيباً وافراً ولهذا تاب منه خيار من حضره منهم ومن كان أبعد عن المعرفة وعن كمال ولاية الله كان نصيب الشيطان منه أكثر وهو بمنزلة الخمر يؤثر في النفوس أعظم من تأثير الخمر ولهذا إذا قويت سكرة أهله نزلت عليهم الشياطين وتكلمت على ألسنة بعضهم.
وهذه هي أهم الأسباب التي تدفع الجني أن يصرع الإنسان ومن أشهرهم الغناء والعشق ولكننا سنسرد هنا في الحديث التالي هو كيفية الاستمتاع بين الإنس والجن وكيف دخول تلك الطائفة إلى القلوب ثم نعرض حالات العشق وعلاجها ومن بعدها نتحدث عن موضوع الحيض وموضوع العقم على أساس أنهما خاصين بالعلاقات الإنسانية.
[1] بدر الدين الشبلي – أحكام الجان –146-152.
[2] السيد عبد العزيز سالم ، تاريخ الحضارة الإسلامية والآثار الإسلامية ، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والتوزيع ، 1996م.
[3] المكاء ما قبل التصفير فكان المشركون يتخذونه عبادة
[4] التصدية التصفيق باليد
[5] أصله في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود أخرجه البخاري (5048) ومسلم (793) وسياق الحديث بأكمله (بما فيه زيادته لحبرته لك = تحبيراً) عزاه الحافظ في الفتح (9/93) إلى أبي يعلي والروياني ونحوه عند ابن سعد بإسناد على شرط مسلم (ومعنى تحبيراً تلحيناً)
[6] أخرجه البخاري معلقاً (فتح الباري 13/518) وأحمد (4/238 و285 و296 و304) وأبو داود (1468 ) وابن ماجه
(1342) والنسائي (2/179) من حديث البراء رضي الله عنه مرفوعاً وأشار الحافظ في الفتح (13/518) إلى طريق أخرى له
[7] أخرجه أحمد (6 /19، 20) وابن ماجة (1340) من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه مرفوعاً وفي إسناده ميسرة مولى فضالة وهو مجهول لكن أخرج البخاري (5023) و (5024) و (7482) و(7544) ومسلم (792) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به
[8] سورة النساء – الآية 41