الباب الثامن الخاتمة نسأل الله حسنها إذا بلغت الروح المنتهى ينبغي أن يكون العمل كله لله ومعه ومن أجله وقد كفاك كل مخلوق وجلب لك خير وإياك أن تميل عنه بموافقة هوى وإرضاء مخلوق فأنه يعكس عليك الحال ويقوتك المقصود وفي الحديث من أرضى الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاماً واطيب العيش من يعيش مع الخالق سبحانه فأن قيل كيف يعيش معه قلت بامتثال أمره واجتناب نهيه ومراعاة حدود والرضا بقضائه وحسن الأدب في الخلوة وكثر ذكره وسلامة القلب من الاعتراض في أقداره فان احتجت سألته فأن أعطى وإلا رضيت بالمنع وعلمت أنه لم يمنع بخلاً أنها نظر لك ولا تنقطع عن السؤال لأنك تتعبد به ومتى دمت على ذلك رزقك محبته وصدق التوكل عليه فصارت المحبة تدلك على المقصود وأثمرت لك محبته إياك فحينئذ تعيش عيش الصديقين ولا خير في عيش إن لم يكن كذا فأن أكثر الناس مخبط في عيشه يداري الأسباب ويميل إليها بقلبه ويتعب في تحصيل الرزق بحرص زائد على الحد ويرغبه إلى الخلق ويعترض عند انكسار الأغراض والقدر يجري ولا يبالي بسخط ولا يحصل له إلا ما قدر له وقد فاته القرب من الحق والمحبة له والتأدب معه فذلك العيش عيش البهائم.
ومن هنا اختلفت الناس في موضوع الخوارق فمن نظر لها أنها كذب بوجود ذلك لغير الأنبياء وربما صدق به مجملاً وكذب ما يذكر له عن كثير من الناس لكونه عنده ليس من الأولياء لله ومنهم من يظن أنه كل من كان له نوع من خرق العادة كان ولياً لله وكلا الأمرين خطأ ولهذا تجد أن هؤلاء يذكرون أن للمشركين وأهل الكتاب نصراء يعينونهم على قتال المسلمين وأنهم من أولياء الله وأولئك يكذبون أن يكون معهم من له خرق وعادة والصواب والقول الثالث وهو أن معهم من ينصرهم من جنسهم لا من أولياء الله عز وجل كما قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51} (سورة المائدة)
وهؤلاء العباد الزهاد الذين ليسوا من أولياء الله المتقين المتبعين للكتاب والسنة تقترن بهم الشياطين فيكون لأحدهم من الخوارق ما يناسب حاله لكن خوارق هؤلاء يعارض بعضها بعضاً وإذا حصل من له تمكن من أولياء الله تعالى أبطلها عليهم ولا بد أن يكون أحدهم من الكذب جهلاً أو عمداً ومن الاثم ما يناسب حال الشياطين المقترنة بهم ليفرق الله بذلك بين أوليائه المتقين وبين المشتبهين بهم من أولياء الشياطين قال تعالى (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ {221} تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ[1] أَثِيم[2]ٍ {222}) (سورة الشعراء – الآيات 221، 222)
ولذلك حرم استخدام الجن فيما نهي الله عنه ورسوله إما في الشرك وإما في قتل معصوم الدم أو العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك من الظلم كما عرضنا في الفصول السابقة فيما عدا ما حدث لسيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام والأنبياء من بعده في استخدام الجن في الأمور المباحة. وليست في الأمور المنهي عنها[3].
والأدهى من ذلك أن الفقهاء كذلك تحدثوا في سؤال الجني كما يفعل البشر في كل زمان وفي كل مكان فأن كان على وجه التصديق فهو حرام كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي قال قلت يا رسول الله أموراً كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان قال فلا تأتوا الكهان[4] وفي صحيح مسلم عن عبد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل صلاته أربعين يوماً[5] وعلى وجه الامتحان فهذا جائز. مثل حال عبد الله بن صياد[6] الذي ظهر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكافلوقد ظن الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال لكنه كان من جنس الكهان قال النبي صلى الله عليه وسلم قد خبأت لك خبأ قال الدخ الدخ وقد كان خبأ له سورة الدخان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أخسأ فلن تعد قدرك[7] يعني إنما أنت من أخوان الكهان والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع وكانوا يخلطون الصدق بالكذب.
أما على وجه الاعتبار فهو منهي عنه كما يسمع الخبر من الفاسق ويتبين ويثبت فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة كما قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ { وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن اهل الكتاب كانوا يقروءن التوارة ويفسرونها بالعربية فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فأما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه[8]
وهذا يدفعنا بالقول أن نتحدث عن النوع الثاني من السحر هو استخدام العزائم والطلمسات الغريبة والتي هي مضادة لحرب الجن من خلال القرآن الكريم والكثير يختلط عليه الأمر في موضوعنا استخدام الجن فصاحب العزائم والأقسام وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إليهم بما يحبونه من الكفر والشرك صار ذلك كالرشوة والبرطيل لهم فيقضون بعض أغراضه كمن يعطي غيره مالاً ليقتل له من يريد قتله أو يعينه على فاحشة أو ينال معه فاحشة ولهذا كثير من هذه الأمور يكتبون فيها كلام الله تعالى بالنجاسة وقد يقلبون حروف قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1}(سورة الإخلاص) أو غيرها بنجاسة أو دم وإما غيره وإما بغير نجاسة ويكتبون ذلك مما يرضاه الشيطان أو يتكلمون بذلك فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين أعانتهم على بعض أغراضهم. ويوضح لنا ابن النديم في كتابه الفهرست عن هذا النوع من السحر فيقول " فاما السحرة فانها زعمت أنها تعبد الشياطين بالقرابين والمعاصي وارتكاب المحظورات مما لله عز وجل في تركها رضا وللشياطين في استعمالها رضا مثل ترك الصلاة والصوم وإباحة الدماء ونكاح ذوات المحارم وغير ذلك من الأفعال البشرية". وهذا يختلف تماماً عن المعزمون الذي يزعمون أنهم يطيعون الله سبحانه وتعالى عن طريق الابتهال والقسم بالأرواح والشياطين وهذا خاطئ والكثير من الناس تعتقد بصحة ذلك.
وضرب ابن النديم في كتابه الفهرست المثل عن المعزم عبد الله بن هلال " كان يعمل بالطريقة المحمودة غير صحيح فقد كان رجلاً فاجراً زنديقاً يترك الصلاة تقرباً إلى إبليس لعنهما الله تعالى ويأمر الشياطين فتلعب ببني آدم ويجمع بين الرجال والنساء في الحرام ويدل على ذلك ما ذكره أبي عبد الرحمن الرهروي في كتاب العجائب". ومن هنا نقول أن ارباب العزائم مع عون عزائمهم تشتمل على شرك وكفر لا تجوز العزيمة به والقسم فهم كثيراً يعجزون عن دفع الجني وكثيراً ما تسخر منهم الجن.
ومن هنا أسردنا هذا الكتاب الذي أطلقنا عليه التبيان أي الفاصل بين الحق والباطل في علوم السحر والجن والآن في موضوع عرفنا للقارئ موضوع السحر من خلال التعريف به ومن خلال تطوره التاريخي منذ عهد الفراعين حتى الان ومن خلال الحكم الفقهي من القرآن والسنة في السحر وعرضنا كذلك العزائم والطلمسات. ثم تحدثنا عن الجن منذ بداية تاريخه حتى الان وأنه أضحى مادة ثرية في الأدب العربي.
ثم تحدثنا في الفصل الثاني من الكتاب عن أسباب دخول الجن في بدن الإنسان وهي العشق ، الأذى ، العبث. وعرضنا موضوع العشق في الفصل الثالث وكيفية العلاج منه من موضوعات العقم والحيض وربط الرجل والمرأة وكيفية أن الشياطين تفرق بين الناس بالكره وأن لها صلة في تقرب البعيد وتبعد من هو قريب. ثم تطرقنا في الفصل الرابع لعرض الأذى والعبث كأسباب لدخول الجن في بدن الإنسان أو حتى إحداث الأذى للبشر على وجه العموم فعرضنا العديد من هذه الحالات وكيفية علاجها بالأعشاب الطبية. ثم عرضنا في الفصل السادس أنواع البشر التي تتأثر بالجن والدرجات ووصلنا في الفصل السادس أن العابد يتأثر أكثر من العالم على الرغم من صلاح الأول. وعرضنا ما هي الوسائل التي يدخل منها الشيطان فوجدنا أن من يبدع بدعة في الإسلام هو الأفضل عند الشيطان عن الذي يعصي وكذلك الذي يرائي هو أفضل من يعصي عند الشيطان.
ولكن في المقام الأخير عرضنا أن العلاج النهائي يتم من خلال الرقية الشرعية بالقرآن الكريم ومن خلال الأدعية والأذكار والتي نعتبرها نو ع من أنواع الوقاية فالوقاية خير من العلاج.
نعود ونقول أن الجن لا ينفع ولا يضر مثله كمثل أي مخلوق طالما أن الخالق الذي ينفع ويضر هو الموجود فنظرية الوسيط أو الشفيع التي أخذت مكانها في العصور الوسطى من الواجب علينا كمسلمين أن ننهي هذا العبث الذي بدأ بالإصلاح الديني الذي بدأه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ال القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي وانتشر هذا الفكر السلفي بعد ذلك في العالم العربي رافضاً فكرة الوسيط أو الشفيع التي تحفل بها المسيحية والتي اعتبرها نوع من انواع الشرك كما عند النصارى وننهي على التصوف المدمر للعقل وكذلك على الدجل والشعوذة التي لم تتحدث عنها وسائل الإعلام بقدر ما تحدثت عن محاربة الإرهابيين بعد أن تراجعت هذه الظاهرة من الاهتمام مع حلول التسعينات من القرن الماضي مع أنها حديث الساعة في وقت ما في الثمانينات من القرن الماضي.
وعلى العموم نتمنى من الله أن يوفق المسلمين ويهديهم سواء السبيل وأن يحمي الله سبحانه وتعالى أمة سيد الخلق من الضلال المبين.
نصيحة سبحان من أقام من كل موجود على عزته ونصب علم الهدى على على حجته ، الأكوان كلما تنطق بالدليل على وحدانيته ، وكل موافق ومخالف يمشي تحت مشيئته ، إن رفعت بصر الفكر ترى دائرة الفلك في قبضته ، وتبصر شمس النهار وبدر الدجى يجريان في بحر قدرته ، والكواكب قد اصطفت كالمواكب على مناكب تسخير سطوته فمنها رجوم للشياطين ترميهم عن حمى حمايته ، ومنها سطور في المهامة يقرؤها المسافر في سفر سفرته ، وإن خفضت البصر رأيت الأرض ممسكة بحكمة حكمته ، كل قطر منها محروس بأطواره عن حركته ، فإذا ضجت عطائها ثار السحاب من بركة بركته ، ونفخ في صور الرعد لإحياء صور النبات من حفرته فيبدو نور النور يهتز طرباً بأبخزامي رحمته ، بأنامل القدرة على أكمام النبات عن صنعه صبغته ، فيرفل في حلى الحلل الحال الحالية إلى معبر عبرته ، وتصدح الورق على الورق كل يبلغ لغته ، والأشجار معتنقة ومفترقة على مقدار إرادته ، صنوان وغير صنوان هذا بعض صنعته (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) الرعد –الاية 13
كتبه الفقير إلى الله تعالى
محمود خليل إسماعيل
غفر الله له ولوالديه والمسلمين
الاسكندرية تم الفراغ منه في
السبت 11 ربيع الآخر 1426هـ
21 مايو 2005م
ت / 0127260397
[1] الكذاب
[2] الفاجر
[3] مجموع الفتاوى لابن تيمية جـ 11 ، ص 307
[4] حديث كنا نأتي الكهان أخرجه مسلم في صحيحه باب تحريم الكهانة وأخرجه أحمد في مسنده بلفظ مقارب (443/3) كلهما عن معاوية بن الحكم
[5] حديث من أتى عرافاً أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب السلام في باب تحريم الكهانة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه (429/2)
[6] عبد الله بن صاد ولد في المدينة من اصل يهودي أشكل أمره على النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدت عليه علامات االدجال فتوقف في أمره واختلف الصحابة فيه فقال بعضهم أنه هو المسيح الدجال والبعض توقف في أمره والله أعلم بحاله (انظر فتح الباري –173 – 6)
[7] أخرجه البخاري 2:117 ، 4 : 86 ، 8: 46 ، 50 ومسلم في باب الفتن 86 ، 95 وأبو داود (4329) والترمذي
(2249) وأحمد 1: 380 ، و 2: 148 و 3 : 82 وابن كثير 7: 234 و المطالب العالية (4422) والمجمع 8: 5 والأدب المفرد (958) والكنز (38836) و (579713) واخرجه بلفظ أخسأ فأنك لن تعدو قدرك أحمد 5: 148 وأخرجه بلفظ أخساً فأنك لن تعدو أجلك الطبراني 3 : 147
[8] الحديث أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء رقم الحديث (7632) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ مقارب والحديث أخرجه أبو داود في سننه كتاب العلم رواية حديث أهل الكتاب وأخرجه أحمد في مسنده عن أبي غلة الأنصاري انظر الفتح الرباني أحمد بن عبد الرحمن البناني في كتاب العلم باب النهي عن التحديث عن أهل الكتاب والرخصة في ذلك (176/12) وقال إسناده جيد
ومن هنا اختلفت الناس في موضوع الخوارق فمن نظر لها أنها كذب بوجود ذلك لغير الأنبياء وربما صدق به مجملاً وكذب ما يذكر له عن كثير من الناس لكونه عنده ليس من الأولياء لله ومنهم من يظن أنه كل من كان له نوع من خرق العادة كان ولياً لله وكلا الأمرين خطأ ولهذا تجد أن هؤلاء يذكرون أن للمشركين وأهل الكتاب نصراء يعينونهم على قتال المسلمين وأنهم من أولياء الله وأولئك يكذبون أن يكون معهم من له خرق وعادة والصواب والقول الثالث وهو أن معهم من ينصرهم من جنسهم لا من أولياء الله عز وجل كما قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51} (سورة المائدة)
وهؤلاء العباد الزهاد الذين ليسوا من أولياء الله المتقين المتبعين للكتاب والسنة تقترن بهم الشياطين فيكون لأحدهم من الخوارق ما يناسب حاله لكن خوارق هؤلاء يعارض بعضها بعضاً وإذا حصل من له تمكن من أولياء الله تعالى أبطلها عليهم ولا بد أن يكون أحدهم من الكذب جهلاً أو عمداً ومن الاثم ما يناسب حال الشياطين المقترنة بهم ليفرق الله بذلك بين أوليائه المتقين وبين المشتبهين بهم من أولياء الشياطين قال تعالى (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ {221} تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ[1] أَثِيم[2]ٍ {222}) (سورة الشعراء – الآيات 221، 222)
ولذلك حرم استخدام الجن فيما نهي الله عنه ورسوله إما في الشرك وإما في قتل معصوم الدم أو العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك من الظلم كما عرضنا في الفصول السابقة فيما عدا ما حدث لسيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام والأنبياء من بعده في استخدام الجن في الأمور المباحة. وليست في الأمور المنهي عنها[3].
والأدهى من ذلك أن الفقهاء كذلك تحدثوا في سؤال الجني كما يفعل البشر في كل زمان وفي كل مكان فأن كان على وجه التصديق فهو حرام كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي قال قلت يا رسول الله أموراً كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان قال فلا تأتوا الكهان[4] وفي صحيح مسلم عن عبد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل صلاته أربعين يوماً[5] وعلى وجه الامتحان فهذا جائز. مثل حال عبد الله بن صياد[6] الذي ظهر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكافلوقد ظن الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال لكنه كان من جنس الكهان قال النبي صلى الله عليه وسلم قد خبأت لك خبأ قال الدخ الدخ وقد كان خبأ له سورة الدخان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أخسأ فلن تعد قدرك[7] يعني إنما أنت من أخوان الكهان والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع وكانوا يخلطون الصدق بالكذب.
أما على وجه الاعتبار فهو منهي عنه كما يسمع الخبر من الفاسق ويتبين ويثبت فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة كما قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ { وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن اهل الكتاب كانوا يقروءن التوارة ويفسرونها بالعربية فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فأما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه[8]
وهذا يدفعنا بالقول أن نتحدث عن النوع الثاني من السحر هو استخدام العزائم والطلمسات الغريبة والتي هي مضادة لحرب الجن من خلال القرآن الكريم والكثير يختلط عليه الأمر في موضوعنا استخدام الجن فصاحب العزائم والأقسام وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إليهم بما يحبونه من الكفر والشرك صار ذلك كالرشوة والبرطيل لهم فيقضون بعض أغراضه كمن يعطي غيره مالاً ليقتل له من يريد قتله أو يعينه على فاحشة أو ينال معه فاحشة ولهذا كثير من هذه الأمور يكتبون فيها كلام الله تعالى بالنجاسة وقد يقلبون حروف قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1}(سورة الإخلاص) أو غيرها بنجاسة أو دم وإما غيره وإما بغير نجاسة ويكتبون ذلك مما يرضاه الشيطان أو يتكلمون بذلك فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين أعانتهم على بعض أغراضهم. ويوضح لنا ابن النديم في كتابه الفهرست عن هذا النوع من السحر فيقول " فاما السحرة فانها زعمت أنها تعبد الشياطين بالقرابين والمعاصي وارتكاب المحظورات مما لله عز وجل في تركها رضا وللشياطين في استعمالها رضا مثل ترك الصلاة والصوم وإباحة الدماء ونكاح ذوات المحارم وغير ذلك من الأفعال البشرية". وهذا يختلف تماماً عن المعزمون الذي يزعمون أنهم يطيعون الله سبحانه وتعالى عن طريق الابتهال والقسم بالأرواح والشياطين وهذا خاطئ والكثير من الناس تعتقد بصحة ذلك.
وضرب ابن النديم في كتابه الفهرست المثل عن المعزم عبد الله بن هلال " كان يعمل بالطريقة المحمودة غير صحيح فقد كان رجلاً فاجراً زنديقاً يترك الصلاة تقرباً إلى إبليس لعنهما الله تعالى ويأمر الشياطين فتلعب ببني آدم ويجمع بين الرجال والنساء في الحرام ويدل على ذلك ما ذكره أبي عبد الرحمن الرهروي في كتاب العجائب". ومن هنا نقول أن ارباب العزائم مع عون عزائمهم تشتمل على شرك وكفر لا تجوز العزيمة به والقسم فهم كثيراً يعجزون عن دفع الجني وكثيراً ما تسخر منهم الجن.
ومن هنا أسردنا هذا الكتاب الذي أطلقنا عليه التبيان أي الفاصل بين الحق والباطل في علوم السحر والجن والآن في موضوع عرفنا للقارئ موضوع السحر من خلال التعريف به ومن خلال تطوره التاريخي منذ عهد الفراعين حتى الان ومن خلال الحكم الفقهي من القرآن والسنة في السحر وعرضنا كذلك العزائم والطلمسات. ثم تحدثنا عن الجن منذ بداية تاريخه حتى الان وأنه أضحى مادة ثرية في الأدب العربي.
ثم تحدثنا في الفصل الثاني من الكتاب عن أسباب دخول الجن في بدن الإنسان وهي العشق ، الأذى ، العبث. وعرضنا موضوع العشق في الفصل الثالث وكيفية العلاج منه من موضوعات العقم والحيض وربط الرجل والمرأة وكيفية أن الشياطين تفرق بين الناس بالكره وأن لها صلة في تقرب البعيد وتبعد من هو قريب. ثم تطرقنا في الفصل الرابع لعرض الأذى والعبث كأسباب لدخول الجن في بدن الإنسان أو حتى إحداث الأذى للبشر على وجه العموم فعرضنا العديد من هذه الحالات وكيفية علاجها بالأعشاب الطبية. ثم عرضنا في الفصل السادس أنواع البشر التي تتأثر بالجن والدرجات ووصلنا في الفصل السادس أن العابد يتأثر أكثر من العالم على الرغم من صلاح الأول. وعرضنا ما هي الوسائل التي يدخل منها الشيطان فوجدنا أن من يبدع بدعة في الإسلام هو الأفضل عند الشيطان عن الذي يعصي وكذلك الذي يرائي هو أفضل من يعصي عند الشيطان.
ولكن في المقام الأخير عرضنا أن العلاج النهائي يتم من خلال الرقية الشرعية بالقرآن الكريم ومن خلال الأدعية والأذكار والتي نعتبرها نو ع من أنواع الوقاية فالوقاية خير من العلاج.
نعود ونقول أن الجن لا ينفع ولا يضر مثله كمثل أي مخلوق طالما أن الخالق الذي ينفع ويضر هو الموجود فنظرية الوسيط أو الشفيع التي أخذت مكانها في العصور الوسطى من الواجب علينا كمسلمين أن ننهي هذا العبث الذي بدأ بالإصلاح الديني الذي بدأه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ال القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي وانتشر هذا الفكر السلفي بعد ذلك في العالم العربي رافضاً فكرة الوسيط أو الشفيع التي تحفل بها المسيحية والتي اعتبرها نوع من انواع الشرك كما عند النصارى وننهي على التصوف المدمر للعقل وكذلك على الدجل والشعوذة التي لم تتحدث عنها وسائل الإعلام بقدر ما تحدثت عن محاربة الإرهابيين بعد أن تراجعت هذه الظاهرة من الاهتمام مع حلول التسعينات من القرن الماضي مع أنها حديث الساعة في وقت ما في الثمانينات من القرن الماضي.
وعلى العموم نتمنى من الله أن يوفق المسلمين ويهديهم سواء السبيل وأن يحمي الله سبحانه وتعالى أمة سيد الخلق من الضلال المبين.
نصيحة سبحان من أقام من كل موجود على عزته ونصب علم الهدى على على حجته ، الأكوان كلما تنطق بالدليل على وحدانيته ، وكل موافق ومخالف يمشي تحت مشيئته ، إن رفعت بصر الفكر ترى دائرة الفلك في قبضته ، وتبصر شمس النهار وبدر الدجى يجريان في بحر قدرته ، والكواكب قد اصطفت كالمواكب على مناكب تسخير سطوته فمنها رجوم للشياطين ترميهم عن حمى حمايته ، ومنها سطور في المهامة يقرؤها المسافر في سفر سفرته ، وإن خفضت البصر رأيت الأرض ممسكة بحكمة حكمته ، كل قطر منها محروس بأطواره عن حركته ، فإذا ضجت عطائها ثار السحاب من بركة بركته ، ونفخ في صور الرعد لإحياء صور النبات من حفرته فيبدو نور النور يهتز طرباً بأبخزامي رحمته ، بأنامل القدرة على أكمام النبات عن صنعه صبغته ، فيرفل في حلى الحلل الحال الحالية إلى معبر عبرته ، وتصدح الورق على الورق كل يبلغ لغته ، والأشجار معتنقة ومفترقة على مقدار إرادته ، صنوان وغير صنوان هذا بعض صنعته (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) الرعد –الاية 13
كتبه الفقير إلى الله تعالى
محمود خليل إسماعيل
غفر الله له ولوالديه والمسلمين
الاسكندرية تم الفراغ منه في
السبت 11 ربيع الآخر 1426هـ
21 مايو 2005م
ت / 0127260397
[1] الكذاب
[2] الفاجر
[3] مجموع الفتاوى لابن تيمية جـ 11 ، ص 307
[4] حديث كنا نأتي الكهان أخرجه مسلم في صحيحه باب تحريم الكهانة وأخرجه أحمد في مسنده بلفظ مقارب (443/3) كلهما عن معاوية بن الحكم
[5] حديث من أتى عرافاً أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب السلام في باب تحريم الكهانة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه (429/2)
[6] عبد الله بن صاد ولد في المدينة من اصل يهودي أشكل أمره على النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدت عليه علامات االدجال فتوقف في أمره واختلف الصحابة فيه فقال بعضهم أنه هو المسيح الدجال والبعض توقف في أمره والله أعلم بحاله (انظر فتح الباري –173 – 6)
[7] أخرجه البخاري 2:117 ، 4 : 86 ، 8: 46 ، 50 ومسلم في باب الفتن 86 ، 95 وأبو داود (4329) والترمذي
(2249) وأحمد 1: 380 ، و 2: 148 و 3 : 82 وابن كثير 7: 234 و المطالب العالية (4422) والمجمع 8: 5 والأدب المفرد (958) والكنز (38836) و (579713) واخرجه بلفظ أخسأ فأنك لن تعدو قدرك أحمد 5: 148 وأخرجه بلفظ أخساً فأنك لن تعدو أجلك الطبراني 3 : 147
[8] الحديث أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء رقم الحديث (7632) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ مقارب والحديث أخرجه أبو داود في سننه كتاب العلم رواية حديث أهل الكتاب وأخرجه أحمد في مسنده عن أبي غلة الأنصاري انظر الفتح الرباني أحمد بن عبد الرحمن البناني في كتاب العلم باب النهي عن التحديث عن أهل الكتاب والرخصة في ذلك (176/12) وقال إسناده جيد